للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا هو الذي عناه عبد القاهر الجرجاني بالحاجة غلى الفكر فيه، أن المعنى لا يحصل لك إلا بعد انبعاث منك في طلبه واجتهاد في نيله (١).

على أن المعنى الذي يحوجك إلى أعمال الفكر والروية في استخراجه، وأن لم تحاول استخراجه بأعمال فكرك ورويتك فقد أعمل فيه الأديب أو الشاعر فكره ورويته، ومن الطبيعي: أن الشيء إذا علم أنه لم ينل في أصله إلا بعد التعب ولم يدرك إلا باحتمال النصب كان للعلم بذلك من أمره ما يدعو الناس إلى تعظيم شأنه وتفخيم أمره - مثل ما يكون لمباشرة الجهد فيه، وملاقاة الكرب دونه: "وإذا عثرت يالهوينا على كنز من الذهب لم تخرجك سهولة وجوده إلى أن تنسى جملة أنه الذي كد الطالب، وحمل المتاعب، حتى إن لم تكن فيك طبيعة من الجود تتحكم عليك، ومحبة للثناء تستخرج النفيس من يذيك، كان من أقوى حجج الصنن الذي يخامر الإنسان أن تقول (أن لم يكدني فقد كد غيري)، كما يقول الوارث للمال المجموع: عفواً إذا ليم على بخله به، وفرط شحه عليه: إن لم يكن كسبي وكدي، فهو كسب والدي وجدي، ولئن لم الق فيه عناء، فلقد عاني سلفي فيه الشدائد - ولقوا في جمعه الأمرين، أفاضيع ثمروه وافرق ما جمعوه، وأكون كالهادم لما أنفقت الأعمال في بنائه.


(١) أسرار البلاغة صـ ١١٤، صـ ١١٥.