للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عينه وتسمعه أذنه كأنه عادم للسمع والبصر، وداخل في العمى والصم، ويذهب عن أن الرجل إذا قال: قد غاب عني قلبي وليس يحضر لي قلبي فإنه يريد أن يخيل إلى السامع أنه قد فقد قلبه دون أن يقول: غاب عني علمي وعزب عقلي، وأن كان المرجع عند التحصيل إلى ذلك، كما أنه إذا قال: لم أكن ههنا: يريد شدة غفلته عن الشيء فهو يضع كلامه على تخييل أنه كان غاب هكذا بجملته وبذاته دون أن يريد الرجل الأخبار بأن علمه لم يكن هناك". (١)

فقوله: (كنت قد عملتها قديماً) أشارة واضحة إلى قدم عهده بتأليف الأسرار الذي من المرجح أن يكون قد ألفه في مقتبل حياته الفكرية، وبداية عهده بالتأليف في البلاغة، في الوقت الذي لم تمكنه الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية من الحصول على كتاب نقد الشعر لقدامه، للاطلاع على ما فيه من أفكار نقدية بلاغية، فجاء كتابه "الأسرار" - وهو الذي يبحث فيه موضوعات البيان - خالياً من الكتابة، ومن الاستعارة التمثيلية - وهما الموضوعان اللذان بنى عليهما عبد القاهر نظرية البيان في "دلائل الإعجاز".

وقريب من هذا الذي تراه: ما لاحظه الدكتور غنيمي هلال (٢) من أن عبد القاهر - وهو يكتب الأسرار - لم تكن قد نضجت عنده بصفة حاسمة نظرية النظم، إذ رأى عبد القاهر - في الأسرار - يقسم الكلام إلى


(١) أسرار البلاغة صـ ٢٩٠ (طبعة صبيح) ..
(٢) النقد الأدبي الحديث صـ ٢٨١ ..