بما يلائم المعنى القريب الذي هو الجارحة - وهو البناء - لأنه إنما يعهد بالجارحة والمعهود بالقوة: الإيجاد والخلق، فقد رشح فيها معنى التورية، وأصلها الذي هو الخفاء بوجود ما يبعد عن المراد مع خفاء القرينة. وهذا - أعنى: كون اليد أطلقت على معناها المجازي البعيد بقرينة خفية فكانت تورية - مبنى على ما اشتهر بين أهل الظاهر من المفسرين الذين يقتصرون على ما يبدو، ولم يظهر لهم هنا للأيدي إلا المعنى البعيد.
وأما عند من يوسم بالتحقيق، ممن يمارس مقتضى تراكيب البيان، فالكلام تمثيل على سبيل الاستعارة وهو: أن مجموع "بنيناها بأيد" نقل عن أصله على طريق التشبيه، وأصله: وضع لبنة وما يشبهها على أخرى بقوة الأيدي، إلى الإيجاد بالقوة، لأن النفس بالمحسوس أعرف .....
فمبنى التورية عند ابن يعقوب على خفاء القرينة، مع كون المراد بعيداً وإن لم نسلم له بهذا الشرط، فكم من مجاز قد خفيت قرينته وبعدت عن كثير من الأذهان، ويكون مع هذا واقعاً موقعه من الروعة والخلابة والسحر والجمال. وكم من تورية - في عرفهم - ظهرت قرينتها، ومع هذا فإنهم لم يضنوا عليها بهذا الاسم.