للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ادعى الشاعر هنا أن طول الليل وصل إلى حالة أن الشهب أحكمت في ظلماته بالمسامير، وأن أهداب عينيه قد شدت إلى النجوم بحبال، وهذا وصف غير ممكن عقلاً وعادة، ولكن الذي قربه من الإمكان: هو هذا التخييل الحسن الناشئ عن ادعاء أن هناك حبالاً ومسامير كانت سبباً في وقوف الشهب وشد الأجفان إليها، مع دخول ما يقرب إلى الصحة وهو (يخيل)، ولهذا كان الغلو هنا مقبولاً.

والثالثة: أن يخرج الغلو مخرج الهزل والخلاعة، لأن صاحبهما لا يعد موصوفاً بنقيصة الكذب، كما بعد في الحد.

وذلك مثل قول الشاعر:

أمر بالكرم إن عبرت به ... تأخذني نشوة من الطرب

أسكر بالأمس أن عزمت على ... الشرب غداً إن ذا من العجب!

فقد ادعى الشاعر أنه يسكر بالأمس إن عزم على الشرب غداً وهذا أمر غير ممكن عقلاً وعادة، لما فيه من تقدم المعلول على علته، غير إن إخراجه مخرج الهزل والخلاعة، هو الذي جعل الغلو هنا مقبولاً.

على أن (أل) في (الأمس) للجنس، فيشمل أفراده المقدرة في المستقبل، وكذلك المراد بغد، وبهذا صح قوله: أسكر بالأمس، بالمضارع مع أمس، وقوله (أن عزمت) بأن التي تقلب الماضي إلى المستقبل.

والمراد سكره من مروره بالكرام.