للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما القول بأن السر في إعجاز القرآن الكريم إنما هو بلاغته التي أعجزت العرب، فهو رأي صحيح، غير إن أصحاب هذا الرأي - وهم الغالبية العظمى - لم يحاولوا أن يتبينوا مرجع هذه البلاغة قائلين: قد يخفى سببه عن البحث، ويظهر أثره في النفس، لأنك تجد كلامين: أحدهما يهزك ويطريك وتنتشي له، والآخر لا يهزك ولا يطريك، وهما معاً فصيحان، ثم لا يوقف لشيء من ذلك على علة!

ومثل هذا القول لا يقنع في مثل هذا العلم، ولا يشفي من داء الجهل به، وقد أستشهد بعضهم على هذا بمثل ما فعل ذو الرمة وجرير:

فقد ذكرت الرواة أن جريراً مر بذي الرمة وقد عمل قصيدته التي

أولها: نبت عيناك عن طلل بحزوى ... عفتة الريح وامتننح القطارا

فقال: ألا أنجدك بأبيات تزيد فيها! ، فقال: نعم، فقال:

يعد الناسبون بني تميم ... بيوت المجد أوسمة كباراً

يعدون الرباب وآل تميم ... وسعداً ثم حنظلة الخيارا

ويذهب بينها المرئي لغوا ... كما ألغيت في الدية الحوارا

فوضعها ذو الرمة في قصيدته، ثم مر به الفرزدق، فسأله عما أحدث من الشعر، فأنشد القصيدة، فلما بلغ هذه الأبيات