للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسر بلاغة هذا الضرب من وجوه ثلاثة:

أولها: أنه كدعوى الشيء بينه: فكأن النابغة - في البيت السابق - قد استدل على سلامتهم من العيب، بأن ثبوت العيب فيهم معلق بكون فلول السيوف من مقارعة الأبطال في ميادين النزال عيباً، وهو محال، والمعلق على المحال محال، فيكون عدم العيب محققاً.

وثانيها: أن الأصل في الاستثناء الاتصال، وذكر أداة الاستثناء قبل ذكر ما بعدها يوم إخراج شيء مما قبلها، وأنه إثبات عيب، فإذا جاء المدح بعدها، تأكد المدح، لأنه إثبات مدح بعد مدح.

وثالثها: أن هذا الخداع الذي يأتي به الأديب أو الشاعر من إيهام الذم بذكره أداة الاستثناء، وتلك الخلابة التي يبعثها في أسلوبه بذلك الإيهام، مما ينبه السامع إلى الاهتمام بما يقوله، وينشط ذهنه لاستقبال المعاني التي يضمنها مدحه.

ومن هذا الضرب: قوله تعالى - في السابقين من أهل الجنة- {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (٢٥) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا}. وقوله تعالى: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}. فكلمة السلام التي جاءت بعد (إلا) في الآيتين، ليست من اللغو والتأثيم، وإنما هي ألفاظ تحية ورحمة.