للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالشاعر محب متيم، يذرف دموعه لينال وصال محبوبه، ولكنها لاهية عنه، ومحبوبته جميلة، رائعتا الجمال، يعشقها كل من يراها، كأنها لكثرة عشاقها الذي يذرفون دموعهم في سبيل رضاها، قد ظنت أن الدموع في عيون الناس أمر طبيعي جبل عليه الناس جميعاً، ولهذا أنها لا تثير انتباهها، ولا تستعطف قلبها دموع أبي الطيب.

وربما كان سر إعجاب القاضي الجرجاني بهذا المطلع راجعاً - بالإضافة إلى جمال الأسلوب ووضوح المعنى وجدته - إلى إيراد، في صيغة تساؤل يثير في النفوس الانتباه، وتحريك الأذهان، وإصغاء الأذان، وإلى تعبيره عن محبوبته بالضمير الذي يثير في النفوس كل هذه الأمور، ويثير فيها الشوق إلى معرفة هذه المحبوبة من تكون؟ أو كان الشاعر عندما عبر عنها بالضمير قد افترض أن الناس جميعاً يعلمون جبه وأنه لن يكون إلا لمن فتن الجميع بجمالها، وتعلقوا بمحاسنها.

ولهذا فإن الجرجاني قد عبر عن إعجابه بهذا المطلع فقال: "فإنه ابتداء ما سمع مثله، ومعنى انفرد باختراعه (١) ومن المطالع التي أعجب بها الجرجاني قول أبي الطيب:

إذا كان مدح فالنسيب المقدم ... أكل فصيح قال شعراً متيم؟ !


(١) الوساطة ص ١٥٨.