للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تدوم لها فائدة فلا تجدها إلا مجهولة منكرة، ورأيه الآخر قد أعاد عليك اللحظة كأنه يخدعك عن الفائدة وقد أعطاها، ويوهمك كأنه لم يزدك وقد أحسن الزيادة ووفاها، فبهذه الصريرة صار التجنيس وخصوصاً المستوفى منه، الشفق في الصورة من حلى الشعر ومعدوداً في أقسام البديع.

فقد تبين لك أن ما يعطي التجنيس من الفضيلة لم يتم إلا بنصرة المعنى، إذ لو كان باللفظ وحده لما كان فيه إلا مستحسن ولما وجد فيه معيب مستهجن، ولذلك؟ ؟ ؟ الاستكثار منه والولوع به، وذلك لأن المعاني لا تدين في كل موضع لما يجذبها التجنيس إليه، إذ الألفاظ خدم المعاني، والمعرفة في حكمها، وكانت المعاني هي المالكة سياستها المستحقة طاعتها (١).

فالحسن في التجنيس - عند عبد القاهر - حسن معنوي قبل أن يكون لفظياً، لأنك لا تستحسن اللفظتين إلا إذا كان موقع معنييهما من العقل موقعاً حميداً، ولم يكن مرمى الجامع بينهما فرمى بعيداً، ولأن الفضيلة في التجنيس إذا كانت باللفظ وحده، لكان التجنيس مستحسناً في كل حال، مع أن الأمر ليس كذلك، "لأن المعاني لا تدين في كل موضع لما يجذبها لتجنيس إليه".

وعلى هذا فإن التجنيس لا يستحسن إلا إذا كان مطابقاً لمقتضى الحال، ولهذا فإنه في البلاغة من الصميم.


(١) أسرار البلاغة ص ١١، ص ١٢ (مطبعة الإستقامة).