للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا السبب متعنتا متجافا؟ ولو قيل لك: كيف صارت هذه الصورة وهي مقصورة عن الأولى في الأحكام والصفة وفي الترتيب والصنعة، وفيما يجمع أوصاف الجمال، وينتظم أسباب الاختيار أحلى وأرشق وأحظى وواقع؟ لأقمت السائل مقام المتعنت المتجانف، ورد دثه رد المستبهم الجاهل، ولكان أقصى ما في وسعك وغاية ما عندك أن تقول: موقعه في القلب الطف، وهو بالطبع أليق، ولم تعدم مع هذه الحال معارضاً يقول لك: فما عبث من هذه الأخرى؟ وأي وجه عدل بك عنها؟ ألم يجتمع لها كيت وكيت، تتكامل فيه ذيه وذيه؟ وهل للطاعن إليها طريق؟ وهل فيها لغامز مغمز؟ يحاجك بظاهر تحسه النواظر، وأنت تحيله على باطن تحصله الضمائر" (١).

وهكذا يذكر الجرجاني أن من يحاجك في مثل هذه الصور السابقة إنما ينظر إلى ظاهر تحسه النواظر، وأنت ترجعه إلى باطن تحصله الضمائر، فما ذلك الظاهر الذي يقصده من الكلام؟ وما ذلك الباطن الذي يقصده منه؟

أن الظاهر الذي يقصده هو: ما يجتمع للكلام من جزالة وقوة، وما يتوافر فيه من تزويق وتنميق، وكان تكتمل فيه نواحي الجمال الظاهرة من صور بيانية، أو بديعية وأما الباطن الذي يريده فهي المعاني اللطيفة والدقائق الخفية التي تحصل عليها من النظم أو من نفس الكلام وجوهره،


(١) الوساطة صـ ٤١٢.