للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وموقعه، ومكانه - على حد تعبيره - كما سيصرح بذلك فهو يطبق تلك النظرية على الكلام بعد أن طبقها على الصور الحسية التي تدركها الأبصار، فيقول: "كذلك الكلام منثورة منظومة مجملة ومفصلة: تجد منه المحكم الوثيق، والجزي القوي، والمصنع المحكم، والمنسق الموشح، قد هذب كل التهذيب، وثقف غاية التثقيف، وجهد فيه الفكر، وأتعب لأجله الخاطر، حتى احتمى ببراءته عن المعائب واحتجز بصحته عن المطاعن، ثم تجد لفؤادك عنه نبوة، وترى بينه وبين ضميرك فجوة، فأن خلص إليهما فإن يسهل بعض الوسائل إذنه، ويمهد عندهما حاله، فأما بنفسه وجوهره، وبمكانه، وموقعه

فلا" (١).

فالمدار عند القاضي الجرجاني - في مجال تفضيل نظم على آخر - هو جوهر الكلام، ومكانه، وموقعه - كما ترى - وقد تأثر بهذه العبارة الأخيرة معاصرة القاضي عبد الجيار المتوفي سنة ٤١٥ فقال: "أعلم أن الفصاحة لا تظهر في أفراد الكلام، وإنما تظهر في الكلام بالضم على طريقة مخصوصة، ولا بد مع الضم من أن يكون لكل كلمة صفة، وقد يجوز في هذه الصفة أن تكون بالمواضعة التي تتناول الضم، وقد تكون بالإعراب الذي له مدخل فيه، وقد تكون بالموقع، وليس لهذه الأقسام الثلاثة رابع، لأنه أما أن تعتبر فيه الكلمة، أو حركاتها، أو موقعها


(١) الوساطة صـ ٤١٢، ص÷ــ ٤١٣.