للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فعد فأنظر في السبب، واستقص في النظر فإنك تعلم ضرورة أن ليس إلا أنه قدم وآخر، وعرف ونكر وحذف واضمر، وأعاد وكرر، وتوخي على الجملة وجها من الوجوه التي يقتضيها علم النحو، فأصاب في ذلك كله ثم لطف موضع صوابه، وأتى مأتى يوجب الفضيلة: أفلا ترى أن أول شيء يروقك منها: قوله: (هو المرء أبدت له الحادثات) ثم قوله: (تنقل في خلقي سودد) بتنكير السودد، وأضافه الخلقين إليه، ثم قوله: "فكالسيف" وعطفه بالفاء مع حذفه المبتدأ، لأن المعنى لا محاله - فهو كالسيف، ثم تكريره الكاف في قوله "وكالبحر" ثم أن قرن إلى كل واحد من التشبيهين شرطاً جوابه فيه، ثم أن أخرج من كل واحد من الشرطين حالاً على مثال ما أخرج من الأخر وذلك قوله (صارخاً) هناك و (مستثيباً) ههنا، لا ترى حسناً تنسبه إلى النظم ليس سببه ما عددت، أو ما هو في حكم ما عددت فاعرف ذلك.

وأن أردت أظهر أمراً في هذا المعنى، فأنظر إلى قول إبراهيم بن عباس:

فلو إذ نبا دهر، وأنكر صاحب وسلط أعداء، وغاب نصير

تكون عن الأهواز داري بنجوة ولكن مقادير جرت وأمور

وإني لأرجو بعد هذا محمداً لأفضل ما يرجى أخر ووزير

فأنت ترى ما ترى من الرونق والطلاوة والحلاوة، ثم تتفقد السبب في ذلك فتجده إنما كان من أجل تقديمه الظرف الذي هو (إذ نبا) على عامله الذي هو تكون، وأن لم يقل، فلو عن الاهواز دارى بنجوه إذ