للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نبا دهر، ثم قال: (تكون) ولم يقل كانت، ثم أن نكر الدهر ولم يقل (فلو إذ نبا الدهر) ثم أن ساق هذا التنكير في جميع ما أتى به من بعد، ثم أن قال: (وأنكر صاحب) ولم يقل (وأنكرت صاحبا) لا ترى في البيتين الأولين شيئاً غير الذي عددته لك تجعله حسناً في النظم، وكله من معاني النحو - كما ترى - وهكذا السبيل أبداً في كل حسن ومزية رأيتهما قد نسبا إلى النظم، وفضل وشرف أحيل فيهما عليه (١).

وهكذا يبين عبد القاهر الجرجاني - بعد أن ذكر إجماع العلماء على تفخيم شأن النظم وتعظيم قدره - أنه ليس إلا أن تتوخى معاني النحو فيما بين الكلم، كأن تفطر في أوجه الخبر، والشرط والجزاء، والحال والحروف التي تشترك في معنى ثم ينفرد كل واحد منها بخصوصية، وفي الجمل التي تسرد، فيعرف فيها موضع الفصل، من موضع الوصل.

وتتصرف في التعريف والنتكير والتقديم والتأخير، في الكلام كله، وفي الحذف والتكرار، والإظهار والاضمار، فتضع كل ذلك في مكانه وموقعه وتستعمله استعمالا صحيحاً موفقاً.

ولم يفته أن يبين لك: أنه قد استنتج نظريته في النظم من تصرف النقاد السابقين، إذ أنهم جعلوا النظم السليم معياراً نقدياً أصيلاً، فمن خلال نقدهم للأشعار التي استجادوها واستحسنوها، والإشعار التي ردوها واستقحموها، كشفوا عن وجه النظم، إذا أنهم أرجعوا حسن الشعر وجودته إلى سلامة النظم وجودته، وأرجعوا قبح الشعر ورداءته


(١) دلائل الإعجاز صفاحات (٥٥، ٥٦، ٥٧، ٥٨، ٥٨، ٦٠).