ووجه الدلالة من هذا أنهم قالوا: إن الشغار المنهي عنه هو أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه ابنته ليس بينهما صداق، وأما إذا وجد فيه صداق كما هنا فليس هو من الشغار المنهي عنه، وإذا لم يكن كذلك فيكون صحيحا. ويرد هذا الدليل بأن تفسير الشغار الواقع في الحديث ليس هو من كلام الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما هو من قول مالك وصل بالمتن المرفوع، وقيل: هو من قول نافع، فقد روى الإسماعيلي من حديث محرز بن عون، ومعن بن عيسى، عن مالك عن نافع عن ابن عمر، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن الشغار، قال محرز: قال مالك: والشغار هو أن يزوج الرجل ابنته إلى آخره: وقال في صحيح مسلم من غير طريق مالك أن تفسير الشغار من قول نافع. وإذا ثبت أن تفسير الشغار ليس من قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا يكون فيه حجة. وأما المالكية، ومن وافقهم فقد استدلوا بما روي عن الأعرج، أن العباس بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب أنكح ابنته عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، وأنكحه عبد الرحمن ابنته، وكانا جعلا صداقا، فكتب معاوية إلى مروان يأمره أن يفرق بيهما، وقال معاوية في كتابه: هذا الشغار الذي نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ووجه الدلالة من هذا أن معاوية أمر بفسخ هذا النكاح، مع أنه سمي فيه الصداق لكل واحدة منما. وكان ذلك بمحضر من الصحابة، ولم يعرف له منهم مخالف، فدل ذلك على فساده، وإلا لما أمر معاوية بفسخه، ولما أقر عليه. فإن قال قائل: إن هذا اجتهاد من معاوية: وعدم إنكار من حضر من الصحابة لا يدل على الرضى، والموافقة، فإن السكوت في المسائل الاجتهادية لا يكون دليلا على الرضى، يجاب عن هذا بأن معاوية قال في كتابه: إن هذا هو الشغار الذي نهى عنه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقد نسبه إلى الرسول لا إلى اجتهاده، وعلى ذلك يحمل سكوت من حضر من الصحابة على موافقتهم له بأن هذا من الشغار الذي نهى عنه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأما وجه قول الحنابلة فيما إذا سميا لأحدهما مهرا دون الأخرى، على رواية أن النكاح يفسد فيهما فقد قالوا: إن فسد في إحداهما فوجب أن يفسد في الأخرى، لأن نكاح كل واحدة منهما متوقف على نكاح الأخرى. وأما على رواية فساد نكاح التي لم يسم لها مهر دون الأخرى فذلك لأن نكاح التي لم يسم لها خلا من المهر بخلاف نكاح الأخرى فيفسد، وأما الثانية: فيصح نكاحها، لأن فيه تسمية وشرطا، فأشبه ما لو سمى لكل واحد منهما. ويروى هذا بأن الأولى فساد نكاحهما معا لتوقف نكاح كل على نكا الأخرى، كما هو القول الأول. ينظر: الأنكحة الفاسدة لشيخنا الأمين الجزائري. ١ أخرجه مالك ٢/٥٤٢، كتاب النكاح: باب نكاح المتعة، ٤١، والبخاري ٧/٤٨١، كتاب المغازي: باب غزوة خيبر، حديث ٤٢١٦، وبرقم ٥١١٥، كتاب النكاح: باب نكاح المتعة، حديث ٢٩-٣٢/١٤٠٧، والنسائي ٦/١٢٥-١٢٦، كتاب النكاح: باب تحريم المتعة، والترمذي ٣/٤٢٩، كتاب النكاح: باب تحريم نكاح المتعة، حديث ١١٢١، وابن ماجة ١/٦٣٠، كتاب النكاح: باب النهي عن نكاح المتعة، حديث ١٩٦١، والشافعي ٢/١٤، كتاب==