ووجه الدلالة من الحديث أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن المتعة، والنهي يدل على فساد المنهي عنه، فيكون نكاح المتعة فاسدا. والحديث يدل على نسخ ما تقدم من إباحتها. ثانيا: ما روي عن سبرة الجهني: أنه غزا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم فتح مكة، قال: فأقمنا بها خمسة عشر فأذن لنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في متعة النساء، وذكر الحديث إلى أن قال: فلم أخرج منها حتى حرمها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفي رواية: أنه كان مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا" رواه أحمد ومسلم. ووجه الدلالة من الحديث أنه يدل برواياته على تحريم نكاح المتعة، وقد جاء في الرواية الثانية التصريح بتحريمها إلى يوم القيامة، فيكون ذلك نسخا لإباحتها، وإذا ثبت ذلك فهي من الأنكحة الفاسدة. وأما المعقول: فقد قالوا: أن النكاح لم يشرع لقضاء الشهوة بل شرع لأغراض ومقاصد يتوسل به إليها، واقتضاء الشهورة بالمتعة لا يقع وسيلة إلى المقاصد التي من أجلها شرع النكاح، فلا يكون مشروعا. وأما الإجماع: فقد قالوا: أن الأمة امتنعت عن العمل بالمتعة، مع ظهور الحاجة إلى ذلك وما ذلك إلا لعلمهم بنسخها. وقد نوقشت أدلة الجمهور بما يأتي: أما حديث علي فقد قيل لهم فيه: إنه وقع فيه الكلام، حتى زعم ابن عبد البر أن ذكر النهي يوم خيبر غلط، وقال السهلي: ويتصل بهذا الحديث تنبيه على إشكال لأن فيه النهي عن نكاح المتعة يوم خيبر، وهذا شيء لا يعرفه أهل السير، ورواة الآثار، والذي يظهر أنه وقع تقديم وتأخير في لفظ الزهري. وقد أشار ابن القيم إلى تقرير هذا التقديم والتأخير، فقال: وأما نكاح المتعة فثبت عنه أنه أحلها عام الفتح، وثبت عنه أنه نهى عنها عام الفتح، واختلف هل نهى عنها يوم خيبر على قولين، والصحيح أن النهي، إنما كان عام الفتح، وأن النهي يوم خيبر إنما كان عن الحمر الأهلية، وإنما قال علي لابن عباس: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى يوم خيبر عن متعة النساء، ونهى عن الحمر الأهلية، محتجا عليه في المسألتين، فظن بعض الرواة أن التقييد بيوم خيبر راجع إلى الفعلين، فرواه بالمعنى، ثم أفرد بعضهم أحد الفعلين وقيده بيوم خيبر، وترد هذه المناقشة بأن أصحاب الزهري قد اتفقوا على نهي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المتعة يوم خيبر، وهم حفاظ وثقات، وزيادة الحافظ الثقة تقبل، ولهذا قال عياض: تحريمها يوم خيبر صحيح لا شك فيه. والقول بأنه وقع في لفظ الزهري تقديم وتأخير يخالف ظاهر الحديث فإن ظاهره أن عام خيبر ظرف لتحريم نكاح المتعة. ومما يؤيد هذا الظاهر حديث ابن عمر، الذي أخرجه البيهقي بإسناد قوي، أن رجلا سأل عبد الله بن عمر عن المتعة، فقال حرام، قال: فإن فلانا يقول فيها، فقال: والله لقد علم أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرمها يوم خيبر وما كنا مسافحين والذي يظهر لي أن القائلين بأن النهي يوم خيبر إنما كان عن لحوم الحمر الأهلية، يحاولون بذلك استبعاد أن تكون المتعة قد نسخت مرتين، لأنه ثبت النهي عنها يوم الفتح، ومعلوم أن يوم الفتح بعد خيبر، إذ أن خيبر في السنة السابعة من الهجرة، وغزوة الفتح في السنة الثامنة==