ونحن نرى أن لا داعي لهذه المحاولة، ما دام الحديث ظاهرا في أن يوم خيبر ظرف لتحريم نكاح المتعة، ولا مانع من نسخها مرتين، ولها نظير في الشعريعة الإسلامية وهو مسألة القبلة فقد نسخت مرتين، وذلك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي بمكة إلى الكعبة، ثم أمر بالصلاة إلى بيت المقدس بعد الهجرة، تأليفا لليهود، وامتحانا للمسلمين الذين اتبعوه بمكة، ثم حول إلى الكعبة ثانيا، وقيل لهم في حديث سبرة الجهني أن القول بأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرمها إلى يوم القيامة معارض بما روي عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن المتعة في حجة الوداع، كما عند أبي داود. وترد هذه المناقشة بأن هذا اختلف فيه عن سبرة، والرواية عنه بأنها في الفتح أصح، لأنهم في فتح مكة شكوا للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العزوية، فرخص لهم فيها مدة، ثم نسخها، وعلى تسليم صحة النهي في حجة الوداع. فنقول: إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعاد النهي في حجة الوداع، ليسمعه من لم يكن سمعه قبل، فأكد ذلك حتى لا تبقى شبهة لأحد يدعي تحليلها. ويقال لهم في الإجماع إنه غير مسلم، فقد ثبت الجواز عن ابن عباس، لما ثبت عن جماعة من التابعين، ويجاب عن هذا بأن ابن عباس صح عنه أنه رجع عن القول بحل المتعة كما قدمنا فانعقد الإجماع على تحريمها، واما خلاف بعض التابعين فإنه إن صح عنهم لم يضر بعد تقرر التحريم قبل حدوثهم. يتبين لنا من بيان الأدلة ومناقشاتها رجحان مذهب الجمهور، ومن أن المتعة حرام وهي من الأنكحة الفاسدة، لقوة أدلتهم، وأن لا عبرة بمخالفة الإمامية، لما تبين من بطلان ما تمسكوا به من الأدلة. قال صاحب الهداية من الحنفية: ونكاح المتعة باطل، وهو أن يقول لامرأة: أتمتع بك كذا مدة كذا من المال. وقال مالك رحمه الله: هو جائز. وهذه النسبة باطلة، فإن مالكا رضي الله عنه لم يقل بإباحة نكاح المتعة، ولا قال به أحد من المالكية، فإنهم جميعا اتفقوا على تحريم نكاح المتعة. ولأجل مخالفة هذه النسبة لمذهب المالكية نجد بعض علماء الحنفية أنكرها على صاحب الهداية قال ابن نجيم في البحر الرائق: وما في الهداية من نسبته إلى مالك فغلط، كما ذكره الشارحون، والموجود في كتب المالكية إنما هو فيمن نكح نكاحا مطلقا، ونيته أن لا يمكث معها إلا مدة نواها، فقالوا: إن ذلك جائز، وليس هو بنكاح متعة، ولو علمت المرأة بنيته. وهذا لم ينفرد به المالكية، بل قال به الجمهور، إلا ما روي عن الأوزاعي فقد قال: هذا نكاح متعة، ولا خير فيه. وقد قال الإمام مالك: ليس هذا من الجميل، ولا من أخلاق الناس. فإن قيل: ما الفرق بين هذا النكاح الذي نوى فيه الرجل الإقامة معها مدة نواها، وبين نكاح المتعة الذي قالت به الإمامية، وقلتم ببطلانه – نقول الفرق بينهما واضح، وهو أن نكاح المتعة الذي قلنا ببطلانه والذي قالت به الإمامية دخلا فيه على تحديده بمدة معينة أو غير معينة، وأيضا فهو نكاح لا تترتب عليه أحكام النكاح من التوارث، ولحوق النسب، ووجوب العدة، بخلاف هذا، فإنه وإن نوى الإقامة معها مدة، إلا أنهما لم يدخلا على ذلك، وهو نكاح تترتب عليه آثاره، ففرق بينهما غاية الأمر أنه نوى الإقامة معها مدة نواها، وهذا لا يضر، لأن الرجل بيده الطلاق، فله أن يطلق في أي وقت شاء. النكاح المؤقت: فرق زفر من الحنفية بين نكاح المتعة والنكاح المؤقت فقال: المتعة باطلة وأما النكاح المؤقت فهو صحيح ويلغى فيه الشرط، وقد ذكر في العناية فرقا بينهما بأن النكاح==