للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قَوْلُهُ: "إنَّ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ فَسَّرَ قَوْله تَعَالَى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النساء: ٣] ، أَيْ:


= [وإنما قلت في الجملة] ؛ لأن ما من مذهب من المذاهب المدونة تفاصيلها إلا وفيه صور يمتنع فيها هذا الحق اتفاقاً أو اختلافاً، وقد اختلفوا أيضاً في نوع الفراق أطلاق أم فسخ؟ وفي وقته أيعجل، أم يؤجل يوماً أو أكثر؟.
فهذا المذهب بالنظر إلى الصور المختلف فيها، وإلى نوع الفراق ووقته، يتفرع من مذاهب، وسأذكرها بعد.
الثاني: أن لا يثبت للزوجة حق طلب الفراق أصلاً، بل عليها الصبر، وهو قول الحسن، وعطاء، والزهري، والثوري، وابن شبرمة وابن أبي ليلى، والظاهرية، والهادوية، والقاسمية، وهو مذهب الحنفية وعبيد الله بن الحسن العنبري، والمزني من أصحاب الشافعي، وأحد قولي الشافعي، وإحدى الروايتين عن أحمد.
ثم من هؤلاء من قال: إن الزوج المعسر يحبس، ومنهم من قال: يجب على الزوجة أن تنفق عليه وإليك أدلة أصل المذهبين، ومناقشاتها، والموازنة بينها:
١- استدل المثبتون لحق الفراق بالكتاب، والسنة، ولأجماع، والمعقول.
أما الكتاب، فآيات، منها:
[أ] قوله تعالى: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا} [البقرة: ٢٣١] .
وجه الدلالة: أن الله عز وجل نهى عن إمساك الرجال نساءهم مضاربين لهم، والنهي يقتضي التحريم، فكان الفراق عند الإعسار واجباً؛ لما في الإمساك معه من المضار، فإن لم يفعل ذلك كان للزوجة حق المطالبة به.
[وأورد عليه] : -أولاً- أنه لو كان الفراق واجباً لما جاز الإبقاء إذا رضيت.
[وأجيب] بأن الإجماع دل على جواز الإبقاء إذا رضيت، فبقي ما عدا هذه الحالة على عموم النهي.
[وأورد عليه ثانياً] : أن ابن عباس، ومجاهداً، ومسروقاً، والحسن، وقتادة، الضحاك، والبيع، ومقاتل بن حيان، وغيرهم قالوا: "نزلت في الرجل، كان يطلق امرأته فإذا قارب انقضاء العدة راجعها ضراراً؛ لئلا تذهب إلى غيره، ثم يطلقها، فتعتد، فإذا شارفت على انقظاء العدة يطلق؛ ليطول عليها العدة، فنهاهم الله –عز وجل-، وتوعدهم عليه، فقال –تعالى-: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [البقرة: ٢٣١] أي بمخالفة أمر الله –عز وجل- " فعموم النهي، لا يشمل صورة الإعسار؛ لأنه خاص بما ذكر.
[وأجب] بأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
[وأورد عليه ثالثاً] : أن الآية لا تنطبق على المعسر بحال؛ وذلك أن المضارة، والعدوان ما يكون للشخص فيهما فعل واختيار، وليس الإمساك مع الإعسار مضارة، ولا عدواناً، لأنه لا يد له فيه، والمقصود من الآية إحسان العشرة، فيما يدخل تحت قدرة العبد، واختياره.
وسبب النزول يعين على فهم الآية، وإن كانت العبرة بعموم اللفظ، فإنما يعم السبب، وما ماثله.
[ويجاب] بأن الذي لا يقدر على إحسان العشرة؛ لإعساره لم يخرج من باب التكليف؛ لأنه قادر على الفراق، فإن لم يفعل فقد اختار الإمساك بغير المعروف، وذلك حرام.
وقريب من هذه الآية قوله تعالى: {وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: ٦] وقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا ضرر ولا ضرار".=

<<  <  ج: ص:  >  >>