وجه الدلالة: أن الله –عز وجل- خير الأزواج بين الإمساك بمعروف، والفراق بمعروف، فمن لم يتيسر له الأول تعين عليه الثاني، ولا شك أن المعسر الذي لا يجد ما ينفقه على زوجته، لا يستطيع الإمساك بمعروف، فحينئذ يتعين عليه الفراق بمعروف، فإن لم يفعل ثبت للزوجة حق المطالبة به، ومثل هذه الآية قوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} . [وأورد عليه] أن الآية، وما ماثلها لا انطباق لها على المعسر؛ فإن المقصود منها إحسان العشرة؛ فيما يدخل تحت قدرته واختياره، والمعسر لا بد له في الإعسار، فإمساكه لا ينافي الإمساك بالمعروف، وقد مر جوابه. وأما السنة، فأحاديث، فمنها: [أ] ما رواه أحمدم عن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول" فقيل: من أعول يا رسول الله؟ قال: "امرأتك ممن تعول: تقول: اطعمني، وإلا فارقني، جاريتك تقول: اطعمني، واستعملني، ولدك يقول: إلى من تتركني"، ورواه النسائي من طريق محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة وفيه أيضاً: "فقيل: من أعول يا رسول الله؟ قال: "امرأتك تقول: اطعمني وإلا فارقني" ورواه الدارقطني بلفظ: "قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اليد العليا خير من اليد السفلى، ويبدأ أحدكم بمن يعول: تقول المرأة أطعمني أو طلقني ... الحديث". ورواه أيضاً بلفظ: "أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "المرأة تقول لزوجها أطعمني أو طلقني الحديث". وجه الدلال: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل للمرأة طلب الفراق عند الامتناع عن الإنفاق. [وأورد عليه أولاً] : أن قوله: "تقول المرأة: أطعمني وإلا فارقني" ليس من قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل هو من قول أبي هريرة، فنسبته للرسول صريحاً في هذه الأحاديث من قبيل الوهم والاشتباه، وإذا لم يكن من قول الرسول، لم يكن حجة، ويدل على هذا، أن البخاري روى الحديث، وليس في وسطه سؤال، وذكر في آخره، فقالوا: يا أبا هريرة، سمعت هذا من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: لا... هذا من كيس أبي هريرة ا. هـ. فقول: هذا من كيس أبي هريرة" إما بكسر الكاف، ومعناه من حاصله، وهو إشارة إلى أنه استنباطه مما فهمه من قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وابدأ بمن تعول" مع تطبيقه على ماهو واقع. وإما بفتح الكاف، ومعناه من فطنته، وعلى كل هو دليل على أن عجز الحديث ليس من كلام الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وروى الإسماعيلي الحديث بسند حديث البخاري، وفي وسطه: "فقال أبو هريرة: تقول امرأتك إلخ"، وفي آخره: "قالو يا أبا هريرة، شيء تقوله من رأيك، أو من قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: " هذا من كيسي" فهذه الرواية صريحة في أن هذا من كلام أبي هريرة؛ وروى النسائي رواية غير السابقة من نفس الطريق السابق، وهو طريق محمد بن عجلان عن أبي صالح عن أبي هريرة، وفيها: "فسئل أبو هريرة: من تعول يا أبا هريرة؟ فدلت هذه الرواية بمعونة ما سبق، على أن الرواية السابقة للنسائي، وما ماثلها من قبيل الوهم، ثم حديث الدارقطني بروايتيه السابقتين إنما هو من طريق عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة، وفي حفظ عاصم شيء، فلا يحتج به. [ولك أن تجيب] لو تأملنا جلياً لم نحكم بالوهم على هذه الروايات، بل نجمع بينها، وبين الأخرى فنقول: إن هذا من قول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد ذكر أبو هريرة الحديث مرة تفصيلاً، وفيه أن =