كأنه يقول: "كيف أخبركم في صدر الحديث بأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال، ثم تسألونني، أسمعت هذا من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ". [وأورد عليه ثانياً] : لو سلم أن هذا الكلام من قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم تسلم دلالته على أن للمرأة حق طلب الفراق عند الإعسار، وأن القاضي يحكم به؛ لأنه إنما يقرر حق المرأة في النفقة، ويحكى ما تنطق به المرأة بلسان الحال، أو المقال إذا وجدت زوجها ينفق المال على غيرها، ويدعها، ولا يجب أن يكون ما تنطق به حقاً لها يقضى لها به، وإنما هو أمر يقع في المخاصمات، ومما يدل على هذا أنه كلام عام يشمل الموسر والمعسر مع أن الموسر يحسن الإنفاق، ولا يحكم عليه بالفراق. [ولك أن تجيب] بأن الأصل فيما يحكيه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أمر مشروع ما دام قد قرره، وكونه حكاية لما يحصل، وإن لم يكن مشروعاً خلاف الأصل، فلا يعدل إليه إلا الدليل، وأين الدليل هنا؟ وشمول الكلام للموسر لا يضر؛ فإنه يثبت لزوجته حق طلب الفراق في الجملة كما يأتي، وكذالك المعسر. وغاية هذا أن يكون عموم الحديث مخصوصاً بالأدلة التي تمنع هذا الحق في بعض صور المعسر والموسر. [ب] ما رواه الدارقطني، والبيهقي عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "في الرجل لا يجد ما ينفق على أهله، قال: "يفرق بينهما". وهذا الحديث صريح في وجوب التفريق عند الإعسار بالنفقة، لكن إنما يكون ذلك عند عدم رضا المرأة بالمقام معه على إعساره؛ للإجماع على عدم وجوبه عند رضاها. [وأورد عليه] أن من رواية عاصم عن أبي هريرة" وفي حفظ عاسم شيء، كما قال ابن القطان وغيره. وقد أعل هذا الحديث أبو حاتم. وقال الحافظ: "إن الدارقطني وهو فيه، وتبعه البيهقي" ا. هـ. وقال ابن القيم: "إنه حديث منكر لا يحتمل أن يكون عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأحسن أحواله، أن يكون عن أبي هريرة –رضي الله عنه- موقوفاً، وأما أن يكون عن أبي هريرة عن الني صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوالله ما قال هذا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا سمعه أبو هريرة، ولا حديث به، كيف وأبو هريرة، لا يستجيز أن يروي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "امرأتك تقول: وإلا طلقني" ويقول: "هذا من كيس أبي هريرة"؛ لئلا يتوهم نسبته للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟. [ولك أن تجيب عن ذلك] : أما ما قيل في حفظ عاصم، فإنه لا يقدح في حديثه؛ فإن عاصماً هو ابن بهدلة المعروف بابن أبي النجود، أحد القراء السبعة، وثقه الإمام أحمد، وغيره، ويروى له الشيخان مقروناً، فإذا روى حديثاً، ولم يخالف من هو أحفظ منه لم يكن في حديثه شذوذ، ولا نكارة، كهذا الحديث الذي معنا، فإعلال أبي حاتم له، وتوهيم الحافظ ابن حجر للدارقطني، والبيهقي فيه، وادعاء ابن القيم أنه منكر، كل ذلك مبني على توهم المخالفة، لما في صحيح البخاري من قول أبي هريرة: "هذا من كيسي" وقد بينت فيما مضى أن هذا القول =