وجاء في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ٣: ٢٨١ في تعليل عدم تحليف الوالد من أجل ابنه: (لأنه عقوق)، ثم قال الدسوقي: (ولا يُقضَي للولد بتحليف والده إذا شَحَّ الوَلَدُ وطَلَب تحليفَه ... وهو قول مالك في المدوَّنة، وبه قال مُطَرِّف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وسحنون. وهو المذهب. ورُوي عن ابن القاسم أنه يُقضَي للولد أن يُحلِّف والدَه في حقٍّ يدَّعيه عليه ... ويكون بذلك عاقًّا). قال الدسوقي: (وهو بعيدٌ! فإن العقوق من الكبائر، ولا ينبغي أن يُمكَّن أحدٌ من ذلك!). وفي كشاف القناع للبهوتي ٤: ٣٢٠ وليس لولدٍ ولا لورثتِه مطالبةُ أبيه بدينِ قرضٍ، ولا ثمنِ مبيعٍ، ولا قيمةِ مُتلَفٍ، ولا أرشِ جنايةٍ، ولا بأجرةِ ما انتَفَع به من ماله، لِما روى. . . (أنت ومالك لأبيك) ... ؛ ولا مطالبةَ للولد على والده بغير ذلك من سائر الحقوق، لما تقدم). وبهذه النصوص الصريحة من المذاهب الأربعة، اتضح أن القول المعتمد المتفق عليه بين الجميع في هذه المسألة: أنه لا يجوز حبس الوالد بسبب دَيْن ولده. وقد اتضح أيضًا من إطلاق الشافعية فيما سبق من نص الرملي، أنه لا فرقَ عندهم في هذا الحكم بين كون الدَّيْن الذي يطالِب به الوَلَدُ تجاه والده: هو دَين نفقته الواجبة له على والده، أو غير ذلك من الديون، فلا يُحبس الوالد -عند الشافعية- بسبب دَيْن الولد مطلقًا. لكن بعض الفقهاء الآخرين كالحنفية والحنابلة استثنوا دَيْن النففة، فقالوا بجواز حبس الوالد بسبب هذا الدَّين خاصة، لكنه مع ذلك ليس حبسًا بالدَّين، وإنما لضرورة حفظ نفس الأولاد. وفي هذا يقول الكاساني في البدائع ٧: ١٧٣ (إذا امتنع الأصول عن دفع النفقة على أبنائهم وأحفادهم حتى أصبحت ديونًا، فإنّ القاضي حينئذ يحكم بحبسهم تعزيرًا لا حبسًا بالدين، وذلك دفعًا لهلاك الأبناء، وحتى لا يتجرأ الناس فتسقط النفقة بمرور الزمن). وفي الروض المربع للبهوتي ٢: ٤٩٩ (وليس للولد مطالبةُ أبيه بدينٍ ونحوه ... إلا بنفقته الواجبة عليه؛ فإن له مطالبتَه بها وحَبْسَه علمها لضرورة حفظ النفس). =