والثاني: له أن يصليها لأن الضرر الذي يلحقه بفوات الحج لا ينقص عن ضرر الحبس أياما في حق المديون. وعلى الأول: يؤخر الصلاة وجوبًا ويحصّل الوقوف كما صوَّبه المصنف خلافًا للرافعي، لأن قضاء الحج صعب وقضاء الصلاة هين، وقد عُهد تأخيرها بما هو أسهل من مشقة الحج كتأخيرها للجمع. والمراد بتأخيرها: تركها بالكلية). وفي فتح الوهاب لزكريا الأنصاري ١: ١٤٤ وعنه نقله الشربيني في الإقناع ١: ١٩٧ (وليس لمُحرمٍ خاف فوت الحج بفوت وقوفه بعرفة إن صلى العشاء ماكثًا، أن يصليها سائرًا ... ، وهل له أن يصليها ماكثًا ويفوِّت الحج لعظم حرمة الصلاة؟ أو يحصّل الوقوف لصعوبة قضاء الحج وسهولة قضاء الصلاة؟ وجهان. رجَّح الرافعي منهما الأولَ، والنوويُّ الثانيَ، بل صوَّبه، وهو المعتمد. وعليه فتأخيرها واجب). وبهذا اتّضح أن القول بأن هذا المُحرم يُتم صلاته وإن فاته الوقوف بعرفة، هو مختارُ الرافعي فقط دون النووي، رحمهما الله تعالى، خلافًا لما عزاه البلقيني -رحمه الله-، إليهما أنهما معًا يصححان هذا الوجه. (١) ظاهر هذه العبارة يوهم أن مراد البلقيني به، هو ما ذكره الشيخ ابن عبد السلام في النص رقم ٥٠ أن (الأصح أن المُحرِم المذكور يجمع بين المصلحتين، فيصلي صلاة الخوف، وهو ذاهب إلى عرفة)، أي: أنه هو الوجه المختار. لكن تبيّن من النصوص المنقولة في التعليقات المتقدمة أن هذا وجه ضعيف وغير معتمد، فيبعُد من البلقيني أن يكون هذا هو مرادَه، خصوصًا أنه ذكر أن تصحيح الشيخين الرافعي والنووي، على خلاف هذا الوجه الضعيف؛ لذا فالأقرب أن يقال: يبدو أن البلقيني يقصد بقوله: (ولكن ما ذكره، هو المختار)، أي: ما كان ذكره الشيخ ابن عبد السلام في النص رقم ٤٩ وهو ما قيل من (أن هذا المُحرِم يَدَع الصلاة ويذهب إلى عرفة)، هذا الوجه هو المختار في المذهب. وهو كذلك، كما تبيّن من النصوص المذكورة في التعليقات السابقة. والخلاصة: أن الوجه الصواب المعتمد عند الشافعية رحمهم الله تعالى في مسألة المُحرِم هذه، أنه يؤخّر صلاة العشاء وجوبًا، ويتوجّه لإدراك وقوف عرفة وإن فاتته الصلاة.