وكلام الإمام الشيخ ابن عبد السلام واضح فيما يريده من المقارنة والترجيح بين مفسدتين اجتمعتا في المضطر الذي لا يجد إلا إنسانًا ميتًا يسدّ به رمق الجوع الاضطراري، فماذا يفعل؟ هل يُقدم على حرمة انتهاك هذا الميت؟ أم يمتنع عن ذلك فيكون مرتكبًا لحرمة قتل نفسه؟ هذا غاية ما أراده الشيخ ابن عبد السلام هنا كما هو واضح. أما ما ذكره البلقيني في التعقيب، فلا يُتصور أن يخطر ببال أحدٍ، لا سيما وأن الله تعالى قد حفظ أجساد الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، كما هو معلوم ووارد في حديث صحيح مشهور. (١) هكذا في المخطوط: (ولم يجدوا). وفي قواعد الأحكام ١: ١٣٢ (ولم يجد). (٢) قواعد الأحكام ١: ١٣٢. (٣) تعليق البلقيني هذا جاء بسبب الاستثناء في قول الشيخ ابن عبد السلام أعلاه: (ولا يجوز التداوي بالخمر على الأصح إلا إذا علم أن الشفاء يحصل بها) وهكذا جاءت هذه العبارة في المطبوع من قواعد الأحكام ١: ١٣٢ أي: مع الاستثناء. لكن أفاد محققاه الفاضلان أن هذه العبارة جاءت في بعض النسخ من (قواعد الأحكام) بدون الاستثناء، أي هكذا: (ولا يجوز التداوي بالخمر على الأصح إذا علم أن الشفاء يحصل بها ولم يجد دواء غيرها)، وهي إشارة قيّمة جدًّا من الأستاذين المحققين، شكر الله لهما صنيعهما. فعلى هذا السياق، يتّفق كلام الشيخ ابن عبد السلام مع ما يقصد البلقيني التنبيه إليه، رحمهما الله تعالى، وهو (أن الخمر لا يجوز الاستشفاء بها على الأصح وإن علم أن الشفاء يحصل بها ...). وفي أسنى المطالب ١: ٥٧١ (وشربُ الخمر أي تناولها للعطش وللتداوي حرامٌ وإن لم يجد غيرها، لعموم النهي عن شربها، ولأن بعضها يدعو إلى بعض، ولأن شربها لا يدفع العطش بل يزيده وإن سَكَّنه في الحال، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عن التداوي بالخمر: (إنه ليس بدواء ولكنه داء). رواه مسلم. وروى ابن حبان في صحيحه (إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حَرَّم عليكم). والمعنى: أن الله سلب الخمر منافعها عندما حرَّمه). انتهى.