للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

٩٣ - قوله في المثال أيضًا (١): فإن قيل: لِم التُزم في صلح الحديبية إدخال الضيم على المسلمين، وإعطاء الدنيّة في الدين؟ قلنا: التُزم ذلك دفعًا لمفسدة عظيمة، وهي قتل المؤمنين) إلى آخره (٢).

يقال عليه: لم يكن في صلح الحديبية إدخال ضيم ولا إعطاء دنيّة في نفس الأمر، ومن ثَمّ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر، لعمر - رضي الله عنهما - ما قالا، حين قال: (فعلامَ نُعطي الدنيّة في ديننا) (٣) وأيضًا فقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تكون خُطّةٌ


(١) أي: في المثال السابق المتعلق بالتداوي بالنجاسات والخمر. وقد نبّه الشيخ ابن عبد السلام في أثناء هذا المثال، أن مضمونه يتعلق بتحصيل أعلى المصلحتين أو دفع أعظم المفسدتين. وبناء على هذا تطرّق الشيخ للكلام عن صلح الحديبية ضمن هذا المثال، وهو الذي يعلّق عليه البلقيني فيما يأتي من الكلام.
(٢) قواعد الأحكام ١: ١٣٣.
(٣) وهو أن عمر - رضي الله عنه - حين قال هذا القول أولًا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، أجابه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (إني رسول الله، ولستُ أعصيه، وهو ناصري). ثم ذهب عمر - رضي الله عنه - إلى أبي بكر - رضي الله عنه -، فقال له القول نفسه، فأجابه أبو بكر - رضي الله عنه - بمثل جواب النبي - رضي الله عنه - نفسه، حيث قال: (أيها الرجل، إنه لَرَسولُ الله، وليس يَعصي ربَّه، وهو ناصرُه، فاستمسِك بغَرْزه، فوالله إنه على الحق). صحيح البخاري ٢: ٩٧٨ (٢٥٨١).
قال الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح ٧: ٥٧٠ (وفي كلامه - صلى الله عليه وسلم -: (إني رسول الله ولستُ أعصيه): دليل واضح أن الصلح ما وقع لضعف المسلمين، بل لأمرٍ من الله حقيقةً بوحي أو بإشارة كما سبق من قوله: (حَبَسها حابسُ الفيل)، أو بإلهام استنباط لمّا رأى المصلحة المرتبة على إتمام هذا الصلح وما ظهر من ثمراته الباهرة وفوائده المتظاهرة التي كان أوّلُها: فتحُ خيبر وتقوّي المسلمين بالكُراع والسلاح، وعاقبتُها: فتحُ مكة وإسلامُ أهلها كلهم ودخولُ الناس في دين الله أفواجًا؛ وذلك أنهم قبل الصلح لم يكونوا يختلطون بالمسلمين، ولا تتظاهر عندهم أمور النبي كما هي، ولا يختلطون بمن يُعلمهم بها مفصلة؛ فلما حصل (صلح الحديبية) اختلطوا بالمسلمين وجاؤوا إلى المدينة، وذهب المسلمون إلى مكة وخَلَوْا بأهلهم وبأصدقائهم وغيرهم ممن يستنصحونه، وسمعوا منهم أحوال النبي ومعجزاته الظاهرة، وأعلامَ نبوته المتظاهرة، =

<<  <   >  >>