للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

يقال عليه: لم يتعين ذلك طريقًا لدفع مفسدة خصمه، لاندفاعها بأن يَهَبه المال المدَّعَى به.

وتوقّف شيخنا أولًا في (الحالة الثانية) (١)، ثم اختار أن كلام الإمام (٢) على عمومه من أنّه (لا تجب اليمين قط). واستَدَلّ لذلك بأن الله تعالى جَعَل لكل من المتداعيَين أن يشهد أربع شهادات مع القطع بكذب أحدهما، فلو كانت اليمين تجب دفعا لمفسدة كذب الخصم، لَمَا أباح له القدوم في اللعان حيث لا ولدَ إذا علم أنها لا تَفضَح قومها، وتُقدِم على اللعان.

وأوضح من هذا، جواز الاستسلام إذا قصده مسلمٌ بالقتل. فلو كان دفعُ مفسدة الخصم يجب، لَمَا جاز الاستسلام.


= ابن عبد السلام في ذلك حالين: إحداهما: أن يكون الحق المدَّعى به مما يباح بالإباحة كالأموال، فالمدّعى عليه مخير بين أن يَحلف وبين أن ينكُل إذا علم أن خصمه لا يحلف كاذبًا. وإن علم أو غلب على ظنه أنه يحلف كاذبًا، فالذي أراه أنه يجب الحلف دفعًا لمفسدة كذب خصمه. فهذه هي الحالة الأولى وهي التي يعلّق عليها البلقيني أعلاه بقوله: (لم يتعين ذلك طريقًا لدفع مفسدة خصمه ....).
أما الحالة الثانية فهي أن يكون الحق مما لا يباح بالإباحة كالدماء والأبضاع. فهذه الحالة رجَّح الشيخ ابن عبد السلام فيها أيضًا أن المدّعى عليه إذا علم أن خصمه يحلف إذا نَكَل هو عن اليمين أو يغلب ذلك على ظنه، فلا يحل له النكول لما فيه من التسبب إلى العصيان، لأن الله تعالى قد أوجب حفظ هذه الحقوق بما قدَرَ عليه المكلف من أسباب الحقوق، واليمينُ هاهنا سببٌ حافظ فلا يجوز تركه.
هذا ما يراه الشيخ ابن عبد السلام في هذه الحالة الثانية، لكن البلقيني يرى التوقف فيها كما سيأتي بعد قليل في قول الناسخ تلميذ البلقيني: (وتوفف شيخنا أولًا في الحالة الثانية ...).
(١) وهي أن يكون الحق مما لا يباح بالإباحة كالدماء والأبضاع، كما سبق بيانه في الهامش قبل قليل.
(٢) أي: إمام الحرمين كما سبق بيانه في الهامش قريبًا.

<<  <   >  >>