للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالشَّيْءُ يَتَنَاوَلُ فِعْلَ الْمُكَلَّفِ وَغَيْرَ فِعْلِهِ كَالزِّنَا سَبَبًا لِوُجُوبِ الْحَدِّ وَالزَّوَالِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الظُّهْرِ وَإِتْلَافِ الصَّبِيِّ مَثَلًا سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ فِي مَالِهِ وَأَدَاءِ الْوَلِيِّ مِنْهُ (فَوَضْعٌ) أَيْ فَهَذَا الْخِطَابُ يُسَمَّى وَضْعًا وَيُسَمَّى خِطَابَ وَضْعٍ أَيْضًا لِأَنَّ مُتَعَلَّقَهُ بِوَضْعِ اللَّهِ أَيْ بِجَعْلِهِ كَمَا يُسَمَّى الْخِطَابُ الْمُقْتَضَى أَوْ الْمُخَيَّرَ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ الْمُتَعَارَفُ كَمَا تَقَدَّمَ خِطَابُ تَكْلِيفٍ لِمَا تَقَدَّمَ (وَقَدْ عَرَفْت حُدُودَهَا) أَيْ حُدُودَ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ أَقْسَامِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَمِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ فَحَدُّ الْإِيجَابِ الْخِطَابُ الْمُقْتَضِي لِلْفِعْلِ اقْتِضَاءً جَازِمًا وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَسَيَأْتِي حُدُودُ السَّبَبِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَقْسَامِ مُتَعَلِّقِ خِطَابِ الْوَضْعِ

ــ

[حاشية العطار]

نَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ شَائِعٌ فِي الْخِطَابِ اللَّفْظِيِّ دُونَ النَّفْسِيِّ (قَوْله وَالشَّيْءُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ بِكَوْنِ الشَّيْءِ يَتَنَاوَلُهُ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ أَيْ وَقَوْلُهُ وَاعْتِقَادُهُ أَوْ أَرَادَ بِفِعْلِهِ مَا يَشْمَلُ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: وَغَيْرُ فِعْلِهِ) تَحْتَهُ شَيْئَانِ مَا لَيْسَ فِعْلًا أَصْلًا وَمَا لَيْسَ فِعْلًا لِلْمُكَلَّفِ بَلْ لِغَيْرِ الْمُكَلَّفِ فَلِذَا مَثَّلَ الشَّارِحِ بِثَلَاثَةِ أَمْثِلَةٍ.

(قَوْلُهُ: لِوُجُوبِ الضَّمَانِ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالضَّمَانِ الْمَضْمُونُ بِهِ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ وَالْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ الْمُضَافُ لِلضَّمَانِ الثُّبُوتُ لَا الطَّلَبُ الْجَازِمُ لِأَنَّهُ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ بِالْوُجُوبِ الْمُقَدَّرِ الْمُضَافِ لِأَدَاءِ الْوَلِيِّ الطَّلَبَ الْجَازِمَ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ قَالَهُ النَّاصِرُ قَالَ بَعْضُ مَنْ كَتَبَ وَلَعَلَّ وَجْهَ عَدَمِ جَعْلِهِ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي مَعْنَيَيْهِ يُذْكَرُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَالْوُجُوبُ هُنَا ذُكِرَ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا صَنَعَهُ مِنْ تَقْدِيرِ الْوُجُوبِ فِي الْمَعْطُوفِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُضَافَ تَسَلَّطَ عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَالْمَعْطُوفِ دَفْعَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ فِي الْمَعْطُوفِ وَأَنَّ الْعَامِلَ فِي الْمَعْطُوفِ هُوَ الْعَامِلُ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مَا هُنَا مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ لَا قَرِيبًا مِنْهُ اهـ.

وَأَقُولُ لَيْسَ الْمَعْنَى عَلَى مَا فَهِمَهُ هَذَا الْقَائِلُ مِنْ أَنَّ سَبَبَ قُرْبِهِ مِنْ الْمُشْتَرَكِ تَعَدُّدُ لَفْظِ الْوُجُوبِ الْمَذْكُورِ وَالْمُقَدَّرِ بَلْ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ وَنَحْوَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ اللَّفْظِيَّةِ مُتَفَرِّعٌ عَلَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَحَدَ مَعْنَيَيْ الْوُجُوبِ هُنَا لُغَوِيٌّ وَالْآخَرُ عُرْفِيٌّ فَلَا اشْتَرَاك حَقِيقَةً وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ تَكُونَ الْمَنْقُولَاتُ كُلُّهَا مِنْ قَبِيلِ الْمُشْتَرَكِ وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ وَبِهَذَا ظَهَرَ دَعْوَى كَوْنِهِ قَرِيبًا مِنْ الْمُشْتَرَكِ وَفَسَادُ جَعْلِهِ مِنْهُ الْمَبْنِيُّ عَلَى التَّكْلِيفِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ تَفَطَّنَ لِذَلِكَ الْعَلَّامَةُ النَّجَّارِيُّ فَقَالَ وَإِنَّمَا قَالَ قَرِيبٌ وَلَمْ يَقُلْ مِنْ الْمُشْتَرَكِ لِاخْتِلَافِ الْوَضْعَيْنِ إذْ الْوُجُوبُ الْأَوَّلُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَالثَّانِي بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ.

(قَوْله لِأَنَّ مُتَعَلَّقَهُ بِوَضْعِ اللَّهِ) أَيْ تَعْلِيلٌ لِتَسْمِيَتِهِ بِالْوَضْعِ وَبِخِطَابِ الْوَضْعِ وَاعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ فَقَالَ أَخْصَرُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ لِأَنَّهُ أَيْ الْخِطَابَ وَضْعُ اللَّهِ أَيْ جَعْلُهُ اهـ.

قَالَ سم لَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ كَوْنِ الْخِطَابِ وَضْعَ اللَّهِ أَيْ جَعْلَهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ كَلَامُهُ النَّفْسِيُّ وَهُوَ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ قَدِيمَةٌ فَلَيْسَتْ جَعْلًا وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الْجَعْلُ اهـ.

وَالْمُرَادُ بِمُتَعَلَّقِهِ كَوْنُ الشَّيْءِ سَبَبًا إلَخْ.

(قَوْلُهُ: كَمَا يُسَمَّى الْخِطَابُ) الْأَنْسَبُ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِ وَيُسَمَّى خِطَابَ وَضْعٍ.

(قَوْلُهُ: الْمُقْتَضَى أَوْ الْمُخَيَّرُ) الْإِسْنَادُ فِيهِمَا مَجَازِيٌّ إذْ الْمُقْتَضَى وَالْمُخَيَّرُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ (قَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْحُكْمُ خِطَابُ اللَّهِ وَهُوَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ الْمُتَعَارَفُ أَيْ مِنْ أَنَّهُ خِطَابٌ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُلْزَمٌ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ (قَوْلُهُ: وَمِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ) نَبَّهَ بِتَكْرِيرِ مِنْ عَلَى أَنَّ مَقْصُودَ الْمُصَنِّفِ بِالسُّنَّةِ لِلْوَضْعِ خِطَابُ الْوَضْعِ لَا حُدُودُ أَقْسَامِهِ أَيْضًا وَإِنْ أَمْكَنَ مَعْرِفَتُهَا لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الشَّرْطِيَّةَ السَّابِقَةَ تَتَضَمَّنُ تَعَارِيفَ أَقْسَامِهِ فَيَكُونُ التَّقْسِيمُ غَيْرَ مَقْصُودٍ أَصَالَةً كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَمِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَقَوْلُهُ وَسَيَأْتِي حُدُودُ السَّبَبِ إلَخْ وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَك مَا ذَكَرْنَاهُ سَابِقًا فِي تَقْوِيَةِ اعْتِرَاضِ النَّاصِرِ وَرَدِّ مَا تَمَحَّلُوا بِهِ فِي دَفْعِهِ.

(قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي حُدُودُ السَّبَبِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَقْسَامِ مُتَعَلِّقِ خِطَابِ الْوَضْعِ) فِي إطْلَاقِ الْمُتَعَلِّقِ عَلَى الشَّيْءِ الْمُنْقَسِمِ إلَى السَّبَبِ وَغَيْرُهُ تَجَوَّزَ حَيْثُ أَطْلَقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>