للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَالْأُصُولِيُّ) أَيْ الْمَرْءُ الْمَنْسُوبُ إلَى الْأُصُولِ أَيْ الْمُلْتَبِسُ بِهِ (الْعَارِفُ بِهَا) أَيْ بِدَلَائِل الْفِقْهِ الْإِجْمَالِيَّةِ (وَبِطُرُقِ اسْتِفَادَتِهَا) يَعْنِي الْمُرَجِّحَاتِ الْمَذْكُورِ مُعْظَمُهَا فِي الْكِتَابِ السَّادِسِ

ــ

[حاشية العطار]

الْمَذْكُورَ إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ بَقِيَتْ الدَّلَائِلُ مُسْتَعْمَلَةً فِي مَعْنَاهَا الْأَصْلِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْمَسَائِلِ الْبَاحِثَةِ عَنْ أَحْوَالِ الدَّلَائِلِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الِاحْتِمَالَيْنِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ تِلْكَ الْمَسَائِلَ مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى مَسَائِلِ الْفِقْهِ يَجْعَلُهَا كُبْرَى لِصُغْرَى هِيَ دَلِيلٌ تَفْصِيلِيٌّ نَحْوِ {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: ٧٢] أَمْرٌ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ حَقِيقَةً ثَانِيهِمَا تَقْدِيرُ الْمُضَافِ وَعَلَيْهِمَا فَلَا إيرَادَ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِي ذَاكَ سَابِقًا.

[تَعْرِيفِ الْأُصُولِيّ]

(قَوْلُهُ: وَالْأُصُولِيُّ الْعَارِفُ إلَخْ) لَمَّا اعْتَبَرَ فِي الْأُصُولِيِّ مَا لَمْ يَعْتَبِرْهُ فِي الْأُصُولِ وَهُوَ طُرُقُ الِاسْتِفَادَةِ وَحَالُ الْمُسْتَفِيدِ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِتَعْرِيفِ الْأُصُولِيِّ بَعْدَ تَعْرِيفِ الْأُصُولِ فَانْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الْكُورَانِيُّ مِنْ أَنَّ تَعْرِيفَ الْأُصُولِ يَعْنِي تَعْرِيفَ الْأُصُولِيِّ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأُصُولِيِّ زِيَادَةُ اعْتِبَارٍ عَلَى مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ فِي الْأُصُولِ.

وَأَمَّا إذَا كَانَ فَلَا إلَّا أَنَّهُ يَرِدُ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ صَحَّ لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَعْتَبِرَ فِي مَفْهُومِ الْأُصُولِيِّ الَّذِي هُوَ مَنْسُوبٌ لِلْأُصُولِ مَا لَيْسَ مِنْ الْأُصُولِ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمَّا تَوَقَّفَ عِنْدَ مَعْرِفَةِ الْأُصُولِيِّ عَلَى مَعْرِفَتِهِ زَادَهُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَرْدُودًا كَمَا بَيَّنَهُ الشَّارِحُ فَإِنْ قُلْت هَلَّا فَسَّرَ الْمُصَنِّفُ الْأُصُولِيَّ بِمَنْ قَامَتْ بِهِ الْمَلَكَةُ كَمَا قَالَ الْكَسْتَلِيُّ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ النَّسَفِيَّةِ إنَّ الْعَالِمَ بِكُلِّ صِنَاعَةٍ فِي الْحَقِيقَةِ مَنْ عَرَفَ جَمِيعَ مَسَائِلِهَا وَالْإِنْسَانُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ ثَلَاثُ مَرَاتِبَ الْأُولَى تَهَيُّؤُهُ لَهُ تَهَيُّؤًا تَامًّا بِأَنْ تَحْصُلَ عِنْدَهُ مَبَادِئُهُ بِأَسْرِهَا مَعَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى اسْتِخْرَاجِهِ مِنْهَا وَتُسَمَّى هَذِهِ الْمَرْتَبَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْعِرْفَانِ عِنْدَهُ بِالْمَلَكَةِ الثَّانِيَةِ، وَاسْتِحْصَالُهُ إيَّاهَا بِالْفِعْلِ بِأَنْ يَنْظُرَ فِي مَبَادِيهِ وَيَحْصُلَ مِنْهَا مُشَاهِدًا إيَّاهُ وَيُسَمَّى عَقْلًا مُسْتَفَادًا بِالْقِيَاسِ إلَيْهِ، الثَّالِثَةُ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ مَلَكَةُ اسْتِحْضَارِهِ بَعْدَ غَيْبُوبِيَّتِهِ مَتَى شَاءَ مِنْ تَجَشُّمِ كَسْبٍ جَدِيدٍ وَيُسَمَّى عَقْلًا بِالْفِعْلِ فَأَسَامِي الْعُلُومِ تُطْلَقُ عَلَى الْمَرَاتِبِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ وَعَلَى مَسَائِلِهَا وَلَكِنَّ الْحَاصِلَ لِلْإِنْسَانِ الْبَاقِي مَعَهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ مِنْ الْعُلُومِ إمَّا مَلَكَةُ الِاسْتِنْبَاطِ أَوْ مَلَكَةُ الِاسْتِحْضَارِ حَتَّى إنَّهُ لَا يُرَادُ بِقَوْلِنَا فُلَانٌ فَقِيهٌ مُتَكَلِّمٌ غَيْرُ هَذَا اهـ.

وَأَيْضًا لَوْ فَسَّرَ الْأُصُولِيَّ هُنَا بِمَا ذَكَرْنَا كَانَ جَامِعًا لِمَعَانِي إطْلَاقَاتِ الْعِلْمِ الثَّلَاثَةِ وَلَا يُرَادُ الِاعْتِرَاضُ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْكُورَانِيُّ قُلْت لَا يُسَاعِدُهُ ذَلِكَ عَلَى مَا سَلَكَهُ فِي تَعْرِيفِ الْأُصُولِيِّ وَقَصَدَهُ وَظَهَرَ لَك مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْكَسْتَلِيِّ أَنَّ مَا قَالَهُ سم نَقْلًا عَنْ الصَّفَوِيِّ أَنَّ الْعِلْمَ يُطْلَقُ عَلَى التَّهَيُّؤِ أَيْضًا بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الشَّرِيفِ أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَلَكَةِ وَجَعْلُهُ مَعْنًى مُسْتَقِلًّا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخْرِجُ مَرَاتِبَ الْمَلَكَةِ فَتَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ: أَيْ الْمَرْءِ الْمَنْسُوبِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأُصُولِيَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ.

(قَوْلُهُ: أَيْ الْمُتَلَبِّسُ) بَيَانٌ لِجِهَةِ النِّسْبَةِ وَلَمْ يُفَسِّرْهُ بِالْعَارِفِ بِالْأُصُولِ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ مَعَ قَوْلِهِ الْعَارِفُ بِهَا وَلِأَنَّ الْمُتَلَبِّسَ مَفْهُومُهُ أَعَمُّ مِنْ الْعَارِفِ إذْ الْمُلَابَسَةُ الْمُخَالَطَةُ وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَقُومَ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِالْمُتَلَبَّسِ أَوْ يَقُومَ بِالْمُتَلَبِّسِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ هَذَا التَّعْبِيرَ إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى التَّعْرِيفِ الثَّانِي لِلْأُصُولِ إذْ التَّلَبُّسُ هُوَ الِاتِّصَافُ بِالْعِلْمِ دُونَ الْأَدِلَّةِ مِنْ الْبَارِدِ قَوْلُ بَعْضِ الْحَوَاشِي التَّلَبُّسُ بِالْقَوَاعِدِ مَجَازِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ فَالْجَوَابُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ اهـ.

إذْ الْعِلْمُ إمَّا نَفْسُ الْمَعْلُومِ وَالتَّغَايُرُ اعْتِبَارِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فَعَلَى الْأَوَّلِ الْأَمْرُ ظَاهِرٌ عَلَى الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَعْلُومَ لَمَّا لَمْ يَنْفَكَّ عَنْ الْعِلْمِ كَانَ التَّلَبُّسُ بِأَحَدِهِمَا تَلَبُّسًا بِالْآخَرِ حَقِيقَةً وَهَبْ أَنَّ ذَلِكَ مَجَازٌ فَأَيُّ حَجْرٍ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَجَازِ.

(قَوْلُهُ: يَعْنِي الْمُرَجِّحَاتِ) أَيْ لِبَعْضِ الْأَدِلَّةِ عَلَى بَعْضٍ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَأَتَى بِالْعِنَايَةِ هُنَا وَفِيمَا بَعْدُ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ طُرُقِ اسْتِفَادَةِ الْأَدِلَّةِ الْإِجْمَالِيَّةِ مَا يَتَوَسَّلُ إلَيْهَا مِنْ الْمُرَجِّحَاتِ وَغَيْرِهَا وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ طُرُقِ الْمُسْتَفِيدِ مَا يُوَصِّلُهُ إلَى مَطْلُوبِهِ مِنْ صِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ وَغَيْرِهَا فَتَخْصِيصُ الْأُولَى بِالْمُرَجِّحَاتِ وَالثَّانِيَةِ بِصِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ خَفِيٌّ؛ لِأَنَّ الْعَامَّ لَا يَدُلُّ عَلَى خَاصٍّ بِخُصُوصِهِ وَلِهَذَا أَتَى بِالْعِنَايَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَأَنَّهُ لَمَّا اسْتَعْمَلَ مَا ذُكِرَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فِي مَعْنًى مَجَازِيٍّ عَبَّرَ بِالْعِنَايَةِ إذْ الطُّرُقُ حَقِيقَةً الْمَسَائِلُ الْحِسِّيَّةُ وَقَالَ سم عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>