للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَزَمَ بِوُقُوعِهِ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَاسْتَنَدَ إلَى حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» أَيْ لَأَوْجَبْته عَلَيْهِمْ وَإِلَى حَدِيثِ مُسْلِمٍ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ» ، وَالرَّجُلُ هَذَا هُوَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمُدَّعَى لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ خُيِّرَ فِيهِ أَيْ خُيِّرَ فِي إيجَابِ السِّوَاكِ وَعَدَمِهِ وَتَكْرِيرِ الْحَجِّ وَعَدَمِهِ، أَوْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَقُولُ بِوَحْيٍ لَا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ. (وَفِي تَعَلُّقِ الْأَمْرِ بِاخْتِيَارِ الْمَأْمُورِ) نَحْوَ افْعَلْ كَذَا إنْ شِئْت أَيْ فِعْلَهُ (تَرَدُّدٌ) قِيلَ لَا يَجُوزُ لِمَا بَيْنَ طَلَبِ الْفِعْلِ وَالتَّخْيِيرِ فِيهِ مِنْ التَّنَافِي، وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ وَالتَّخْيِيرُ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الطَّلَبَ غَيْرُ جَازِمٍ، وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ أَيْ رَكْعَتَيْنِ» كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد.

(مَسْأَلَةُ التَّقْلِيدِ أَخْذُ الْقَوْلِ) بِأَنْ يُعْتَقَدَ (مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةِ دَلِيلِهِ) فَخَرَجَ أَخْذُ غَيْرِ الْقَوْلِ مِنْ الْفِعْلِ وَالتَّقْرِيرُ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِتَقْلِيدٍ، وَأَخْذُ الْقَوْلِ مَعَ مَعْرِفَةِ دَلِيلِهِ فَهُوَ اجْتِهَادٌ وَافَقَ اجْتِهَادَ الْقَائِلِ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الدَّلِيلِ إنَّمَا تَكُونُ لِلْمُجْتَهِدِ لِتَوَقُّفِهِمَا عَلَى مَعْرِفَةِ سَلَامَتِهِ عَنْ الْمُعَارِضِ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْبَحْثِ عَنْهُ وَهِيَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى اسْتِقْرَاءِ الْأَدِلَّةِ كُلِّهَا وَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا الْمُجْتَهِدُ (وَيَلْزَمُ

ــ

[حاشية العطار]

قَوْلُهُ: وَجَزَمَ بِوُقُوعِهِ) أَيْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْ (قَوْلُهُ: لَأَمَرْتهمْ) أَيْ مِنْ قِبَلِ نَفْسِي؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لَهُ اُحْكُمْ بِمَا تَشَاءُ عَلَى مَا زَعَمَهُ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ (قَوْلُهُ: قَالَهَا ثَلَاثًا) أَيْ لَفْظَ كُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ (قَوْلُهُ: لَوَجَبَتْ) أَيْ هَذِهِ الْفَرِيضَةُ فِي كُلِّ عَامٍ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُدَّعَى) وَهُوَ الْوُقُوعُ (قَوْلُهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ فِي تَخْيِيرِهِ رُدَّ هَذَا الْحُكْمُ إلَى خِيرَتِهِ وَفِيهِ تَفْوِيضٌ لِلْحُكْمِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَيْ خَيْرٌ فِي إيجَابِ إلَخْ) أَيْ فِي خُصُوصِ هَذَا الْحُكْمِ لَا عُمُومًا. (قَوْلُهُ: وَفِي تَعَلُّقِ الْأَمْرِ) لَا يَخْفَى مُنَاسَبَتُهُ لِمَا قَبْلَهُ بِجَامِعِ التَّفْوِيضِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَلِذَا جَمَعَهُمَا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ (قَوْلُهُ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الطَّلَبَ إلَخْ) أَيْ فَلَمْ تَكُنْ صِيغَةُ أَفْعَلَ لَغْوًا

[مَسْأَلَةُ التَّقْلِيدِ]

(قَوْلُهُ: أَخْذُ الْقَوْلِ) أَيْ قَوْلِ غَيْرِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ غَيْرُهُ فَخَرَجَ مَا لَا يَخْتَصُّ بِالْغَيْرِ كَالْمَعْلُومِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَلَيْسَ أَخْذُهُ تَقْلِيدًا، وَالْمُرَادُ الْأَخْذُ الْمَعْنَوِيُّ وَلِذَلِكَ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ بِأَنْ يَعْتَقِدَ إلَخْ لَا مُجَرَّدَ السَّمَاعِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ غَيْرِ دَلِيلِهِ قَيْدٌ بَلْ لَوْ أَخَذَ الْمُقَلِّدُ الْقَوْلَ مَعَ دَلِيلِهِ مِنْ كَلَامِ الْمُجْتَهِدِ لَا يَكُونُ مُجْتَهِدًا غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ عَرَفَ الْقَوْلَ مِنْ مَذْهَبِهِ مَعَ دَلِيلِهِ لَا أَنَّهُ اسْتَخْرَجَ الْقَوْلَ بِالدَّلِيلِ الَّذِي هُوَ شَأْنُ الْمُجْتَهِدِ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّ التَّعْبِيرَ بِأَخْذِ الْقَوْلِ هُوَ النُّسْخَةُ الْقَدِيمَةُ، وَأَنَّ الْمُصَنِّفَ ضَرَبَ عَلَى الْقَوْلِ وَكَتَبَ بَدَلَهُ الْمَذْهَبَ لِيَعُمَّ الْفِعْلُ وَالتَّقْرِيرُ إذْ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْمَذْهَبِ أَنْ يَكُونَ قَوْلًا، وَقَدْ أَنْكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَلَى مَنْ أَخَذَ الْقَوْلَ قَيْدًا فِي الْحَدِّ لِذَلِكَ وَقَالَ يَنْبَغِي الْإِتْيَانُ بِلَفْظٍ يَعُمُّهُمَا، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْقَوْلَ يُطْلَقُ عَلَى الرَّأْيِ وَالِاعْتِقَادِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ تَارَةً وَبِالْفِعْلِ تَارَةً وَبِالتَّقْرِيرِ الْمُقْتَرِنِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ارْتِضَائِهِ تَارَةً أُخْرَى، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ شَائِعٌ كَثِيرٌ لَكِنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ فَخَرَجَ أَخْذُ غَيْرِ الْقَوْلِ لَا يُنَاسِبُ هَذَا الْجَوَابَ وَقَدْ جَرَى فِي ذَلِكَ عَلَى طَرِيقَةٍ لَعَلَّهُ اطَّلَعَ عَلَيْهَا وَأَلْحَقَ خِلَافَهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّقْلِيدَ أَخْذٌ بِمَذْهَبٍ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمَذْهَبُ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا أَوْ تَقْرِيرًا فَذِكْرُ الْقَوْلِ لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَالشَّارِحُ لَمْ يُؤَوِّلْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فَخَرَجَ إلَخْ فَالْحَقُّ أَنَّ مَا أَخْرَجَهُ الشَّارِحُ لَيْسَ بِخَارِجٍ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْبَحْثِ عَنْهُ) مَبْنِيٌّ عَلَى مَرْجُوحٍ فَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ وُجُوبِ الْبَحْثِ عَنْهُ فَلَوْ قَالَ بَدَلَ قَوْلِهِ لِتَوَقُّفِهَا إلَخْ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الدَّلِيلِ مِنْ الْوَجْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>