وَقَدْ اُشْتُهِرَ أَنَّهُ حُجَّةٌ عِنْدَنَا
ــ
[حاشية العطار]
عَلَى الرَّاحِلَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَإِنَّا اسْتَقْرَأْنَا مَا يُؤَدَّى مِنْ الصَّلَوَاتِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَلَمْ نَجِدْ مِنْهُ وَاجِبًا فَعُلِمَ أَنَّ الْوِتْرَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَإِنْ قُلْت الْوِتْرُ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ يُؤَدِّيهِ عَلَى الرَّاحِلَةِ.
قُلْت أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَدَّاهُ فِي السَّفَرِ وَالْوِتْرُ إنَّمَا كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ فِي الْحَضَرِ وَبِأَنَّ وُجُوبَهُ كَانَ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ أَدَّاهُ عَلَى الرَّاحِلَةِ كَانَ قَدْ نُسِخَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. زَكَرِيَّا.
وَقَدْ يُمَثَّلُ لَنَا بِقَوْلِنَا كُلُّ حَيَوَانٍ يَحْتَرِقُ وَتَتَفَرَّقُ أَجْزَاؤُهُ بِالْمُكْثِ فِي النَّارِ لِأَنَّهُ إمَّا إنْسَانٌ أَوْ فَرَسٌ أَوْ حِمَارٌ إلَخْ وَالْكُلُّ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وُجُودُ حَيَوَانٍ حُكْمُهُ خِلَافُ مَا ذُكِرَ بَلْ وُجِدَ بِالْعَقْلِ كَالسَّمَنْدَلِ فَإِنَّهُ يَعِيشُ فِي النَّارِ وَيُوجَدُ فِي ذَخَائِرِ الْمُلُوكِ مَنَادِيلُ مُتَّخَذَةٌ مِنْ رِيشِهِ إذْ اتَّسَخَتْ تُرْمَى فِي النَّارِ فَتَرْجِعُ نَظِيفَةً وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ غَسْلِهَا وَيُمَثَّلُ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِنَا كُلُّ حَرَكَةٍ إمَّا حَرَكَةٌ مِنْ الْمَرْكَزِ أَوْ إلَى الْمَرْكَزِ أَوْ عَلَى الْمَرْكَزِ وَكُلٌّ مِنْهَا يَقْطَعُ الْمَسَافَةَ فَكُلُّ حَرَكَةٍ كَذَلِكَ ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقِيَاسِ الْأُصُولِيِّ وَالْمَنْطِقِيِّ وَالِاسْتِقْرَائِيّ أَنَّ الْأُصُولِيَّ هُوَ الِاسْتِدْلَال بِثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي جُزْءٍ لِإِثْبَاتِهِ فِي جُزْءٍ آخَرَ مِثْلِهِ بِجَامِعٍ وَالْمَنْطِقِيَّ هُوَ الِاسْتِدْلَال بِثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي كُلِّيٍّ لِإِثْبَاتِهِ فِي جُزْئِيٍّ وَالِاسْتِقْرَائِيّ عَكْسُ الْمَنْطِقِيِّ
[مَسْأَلَةٌ فِي الِاسْتِصْحَابِ]
(قَوْلُهُ: وَقَدْ اُشْتُهِرَ أَنَّهُ حُجَّةٌ عِنْدَنَا) أَيْ مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ وَأَوْرَدَ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ أَنَّ مِثْلَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ وَالطَّهَارَةِ وَنَحْوِهَا أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِأَدِلَّةٍ شَرْعِيَّةٍ نَصَبَهَا الشَّارِعُ وَهِيَ مُنْحَصِرَةٌ فِي النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ إجْمَاعًا وَالِاسْتِصْحَابُ لَيْسَ مِنْهَا فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ قُلْنَا ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ إثْبَاتُ الْحُكْمِ ابْتِدَاءً وَأَمَّا فِي الْحُكْمِ بِبَقَائِهِ فَمَمْنُوعٌ يَكْفِي الِاسْتِصْحَابُ وَلَوْ سَلِمَ فَلَا نُسَلِّمُ انْحِصَارَ الْأَدِلَّةِ فِيمَا ذُكِرَ ثَمَّ بَلْ عِنْدَنَا رَابِعٌ وَهُوَ الِاسْتِصْحَابُ فَإِنَّ ذَلِكَ عَيْنُ النِّزَاعِ فَإِنْ قُلْت الْقِيَاسُ جَائِزٌ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ ظَنِّ بَقَاءِ الْأَصْلِ إذْ الْقِيَاسُ رَافِعٌ لِحُكْمِ الْأَصْلِ وِفَاقًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ أَحْكَامٌ لَوْلَاهُ لَبَقِيَتْ عَلَى نَفْيِهَا فَلَا يُظَنُّ بَقَاءُ الْأَصْلِ إلَّا عِنْدَ انْتِفَاءِ قِيَاسٍ يَرْفَعُهُ وَلَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِذَلِكَ الِانْتِفَاءِ لِعَدَمِ تَنَاهِي الْأُصُولِ الَّتِي يُمْكِنُ الْقِيَاسُ عَلَيْهَا فَمِنْ أَيْنَ لِلْعَقْلِ الْإِحَاطَةُ بِنَفْيِهَا قُلْنَا الظَّنُّ بِانْتِفَاءِ مِثْلِ هَذَا الْقِيَاسِ كَافٍ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَطْعِ وَالظَّنُّ حَاصِلٌ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْوِجْدَانِ بَعْدَ الْبَحْثِ وَالتَّفْتِيشِ وَمُجَرَّدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute