وَيَرْجِعُ الْأَمْرُ لِمَا كَانَ قَبْلَهُ مِنْ تَحْرِيمٍ أَوْ إبَاحَةٍ أَيْ لِكَوْنِ الْفِعْلِ مَضَرَّةً أَوْ مَنْفَعَةً كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ الْخَامِسِ.
(مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ بِوَاحِدٍ) مُبْهَمٍ (مِنْ أَشْيَاءَ) مُعَيَّنَةٍ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّ فِي أَيَّتِهَا الْأَمْرَ بِذَلِكَ تَقْدِيرًا (يُوجِبُ وَاحِدًا) مِنْهَا (لَا بِعَيْنِهِ) ، وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ
ــ
[حاشية العطار]
لِمَا كَانَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْوُجُوبِ.
(قَوْلُهُ: مِنْ تَحْرِيمٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ التَّحْرِيمُ الشَّرْعِيُّ وَالْإِبَاحَةُ الشَّرْعِيَّةُ لَا التَّحْرِيمُ وَالْإِبَاحَةُ الثَّابِتَتَانِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ كَمَا تَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ وَلَا يُنَافِيهِ مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ حِكْمَةُ الْحُكْمِ لَا عِلَّةٌ مُثَبِّتَةٌ لَهُ كَمَا يَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ.
[مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ بِوَاحِدٍ مِنْ أَشْيَاءَ يُوجِبُ وَاحِدًا مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ]
(قَوْلُهُ: الْأَمْرُ بِوَاحِدٍ) فِيهِ أَنَّ الْأَمْرَ بِوَاحِدٍ مَعْنَاهُ هُنَا إيجَابُهُ فَيَتَحَدَّ الْمَحْمُولُ وَالْمَوْضُوعُ وَذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ الْحَمْلِ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يُحْمَلُ الْأَمْرُ عَلَى اللَّفْظِيِّ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ يُوجِبُ دُونَ إيجَابٍ، هَذَا مُلَخَّصُ مَا فِي النَّاصِرِ
وَقَالَ سم: يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ فِيهِمَا عَلَى اللَّفْظِيِّ أَوْ النَّفْسِيِّ لَكِنَّ الْأَوَّلَ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَالثَّانِيَ بِحَسَبِ الْوَاقِعِ أَيْ الْأَمْرُ بِوَاحِدٍ مُبْهَمٍ ظَاهِرًا يُوجِبُ وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ فِي الْوَاقِعِ، وَقَوْلُهُ: يُوجِبُ لَا يُعَيِّنُ الْحَمْلَ عَلَى اللَّفْظِيِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْإِسْنَادِ لِلْمَصْدَرِ مُبَالَغَةً أَوْ مَعْنَاهُ يَثْبُتُ أَوْ يَسْتَلْزِمُ اهـ.
وَفِيهِ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلظَّاهِرِ إلَّا الْأَمْرُ اللَّفْظِيُّ وَلَا لِلْوَاقِعِ إلَّا الْأَمْرُ النَّفْسِيُّ فَلَمْ يَخْرُجْ عَمَّا قَالَهُ النَّاصِرُ.
(قَوْلُهُ: مُبْهَمٌ) أَيْ فِي الظَّاهِرِ فَيُجَامِعُ الْأَقْوَالَ الْآتِيَةَ.
(قَوْلُهُ: مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ) أَيْ بِنَوْعِهَا كَمَا فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ أَوْ بِشَخْصِهَا كَقَوْلِ الشَّارِعِ أَعْتِقْ هَذَا الْعَبْدَ أَوْ تَصَدَّقْ بِهَذَا الدِّينَارِ كَذَا قَالُوا.
وَفِيهِ أَنَّ هَذِهِ صُورَةٌ فَرْضِيَّةٌ وَإِلَّا فَالْأَوَامِرُ الْوَاقِعَةُ مِنْ الشَّارِعِ إنَّمَا تَعَلَّقَتْ بِالنَّوْعِ، وَتَشَخُّصُهُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ التَّلَبُّسِ فِيهِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ تَعَيُّنُهَا لِعَدَمِ وُقُوعِ تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِأَمْرٍ مُبْهَمٍ مِنْ أُمُورٍ مُبْهَمَةٍ؛ لِأَنَّهُ وُقُوعُ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ وَهُوَ بَاطِلٌ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ إذَا شُرِعَ التَّخْيِيرُ بِنَصٍّ، فَإِنْ شُرِعَ بِغَيْرِهِ كَتَخْيِيرِ الْمُسْتَنْجِي بَيْنَ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ وَالتَّخْيِيرُ فِي الْحَجِّ بَيْنَ الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ لَكِنَّ الْجُوَيْنِيَّ جَعَلَ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ مِنْهَا اهـ.
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْوَجْهُ عَدَمُ تَقْيِيدِهَا بِذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْخِلَافُ فِي أَصْلِهَا، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى فِعْلِ الْمُكَلَّفِ فَمَسْأَلَةُ الْحَجِّ خَارِجَةٌ عَنْ ذَلِكَ اهـ.
قَالَ سم وَمَا ذُكِرَ أَنَّهُ الْوَجْهُ مِنْ عَدَمِ التَّقْيِيدِ هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ الصَّوَابُ الَّذِي لَا مَعْنَى لِلْمُخَالَفَةِ فِيهِ فَيَكُونُ ضَابِطُ الْمَسْأَلَةِ سُقُوطَ الْوَاجِبِ بِوَاحِدٍ مِنْ أَمْرَيْنِ أَوْ أُمُورٍ سَوَاءٌ ثَبَتَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ ذَلِكَ بِنَصٍّ أَوْ لَا إذْ لَا وَجْهَ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا.
(قَوْلُهُ: كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ) وَمَسْأَلَةُ تَخْيِيرِ الْمُسْتَنْجِي بَيْنَ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ وَالتَّخْيِيرِ فِي الْحَجِّ بَيْنَ الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: تَقْدِيرًا) أَيْ مَعْنًى، فَإِنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ خَبَرًا فَالْمَعْنَى عَلَى الْأَمْرِ.
(قَوْلُهُ: يُوجِبُ) مِنْ قَبِيلِ الْإِسْنَادِ لِلْمَصْدَرِ وَالْمُوجِبُ حَقِيقَةُ الْأَمْرِ لَا الْأَمْرُ وَمِثْلُ هَذَا الْإِيجَابِ النَّدْبُ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْكَرَاهَةِ فِي مَسْأَلَةِ التَّحْرِيمِ الْآتِيَةِ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ)