للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقِيلَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْمُخَصَّصِ السَّمْعِيِّ لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرِ إعْلَامِهِ بِالْبَيَانِ قُلْنَا الْمَحْذُورُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا وَعَدَمُ عِلْمِ الْمُكَلَّفِ بِالْمُخَصَّصِ بِأَنْ لَمْ يَبْحَثْ عَنْهُ تَقْصِيرٌ أَمَّا الْعَقْلِيُّ فَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ أَنْ يُسْمِعَ اللَّهُ الْمُكَلَّفَ الْعَامَّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْلِمَهُ أَنَّ فِي الْعَقْلِ مَا يُخَصِّصُهُ وُكُولًا إلَى نَظَرِهِ وَقَدْ وَقَعَ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ لَمْ يَسْمَعْ الْمُخَصَّصَ السَّمْعِيَّ إلَّا بَعْدَ حِينٍ مِنْهُمْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَبَتْ مِيرَاثَهَا مِمَّا تَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: ١١] فَاحْتَجَّ عَلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا رَوَاهُ لَهَا مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ» أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَمِنْهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَسْمَعْ مُخَصَّصَ الْمَجُوسِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥] حَيْثُ ذَكَرَهُمْ، فَقَالَ: مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ أَيْ فِيهِمْ فَرَوَى لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَأْخُذْ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِ حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ.

(النَّسْخُ) (اُخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ رَفْعٌ) لِلْحُكْمِ

ــ

[حاشية العطار]

قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ التَّأْخِيرُ مُنْتَفٍ هُنَا؛ لِأَنَّ الْبَيَانَ قَدْ وُجِدَ وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْعِبْ الْمُكَلَّفِينَ، وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ مِنْهُمْ فَلِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ الْبَحْثِ عَنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: يَجُوزُ أَنْ لَا يَعْلَمَ الْمُكَلَّفُ إلَخْ مِنْ سَلْبِ الْعُمُومِ لَا مِنْ عُمُومِ السَّلْبِ (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَهُ) ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ الْعَقْلِيَّ حَاصِلٌ فِي الْفِطْرَةِ، وَإِنَّمَا التَّقْصِيرُ مِنْ جِهَةِ السَّامِعِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ وَقَعَ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ إلَخْ) إنَّمَا اسْتَدَلَّ عَلَى الْمُخَصِّصِ السَّمْعِيِّ دُونَ الْعَقْلِيِّ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ وِفَاقٍ (قَوْلُهُ: مُخَصِّصُ الْمَجُوسِ) أَيْ مُخْرِجُهُمْ مِنْ عُمُومِ قَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥] .

[النَّسْخُ]

(قَوْلُهُ: النَّسْخُ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَرْجَمَةٌ فَقَوْلُهُ: اُخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ أَيْ النَّسْخَ بِالْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ فَفِيهِ اسْتِخْدَامٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّسْخِ مَا يَشْمَلُ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَيْضًا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَلْفَاظَ الْوَاقِعَةَ فِي الْعُلُومِ تُحْمَلُ عَلَى مَعَانِيهَا الِاصْطِلَاحِيَّةِ فَلَا اسْتِخْدَامَ وَعَلَى كُلٍّ فَقَوْلُهُ: اُخْتُلِفَ إلَخْ اسْتِئْنَافٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْعَلَ خَبَرَ النُّسَخِ فَلَا يَكُونُ تَرْجَمَةً، وَالْأَوَّلُ أَنْسَبُ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ جَاءَ لِمَعْنَيَيْنِ لِلْإِزَالَةِ يُقَالُ: نَسَخَتْ الشَّمْسُ الظِّلَّ، وَنَسَخَتْ الرِّيحُ أَثَرَ الْقَدَمِ أَيْ أَزَالَتْهُ، وَلِلنَّقْلِ يُقَالُ: نَسَخْت الْكِتَابَ أَيْ نَقَلْت مَا فِيهِ إلَى الْآخَرِ، وَمِنْهُ الْمُنَاسَخَاتُ فِي الْمَوَارِيثِ لِانْتِقَالِ الْمَالِ مِنْ وَارِثٍ إلَى وَارِثٍ، وَالتَّنَاسُخُ فِي الْأَرْوَاحِ؛ لِأَنَّهُ نَقْلٌ مِنْ بَدَنٍ إلَى بَدَنٍ وَنَسَخْت النَّحْلَ أَيْ نَقَلْتهَا مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ، وَالْمَنْقُولُ النَّحْلُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ التَّفْتَازَانِيُّ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ السِّجِسْتَانِيُّ فِي النَّسْخِ أَنْ يُحَوَّلَ مَا فِي الْخَلِيَّةِ مِنْ النَّحْلِ وَالْعَسَلِ إلَى غَيْرِهَا ثُمَّ ذَهَبَ الْقَفَّالُ وَأَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي النَّقْلِ لِاسْتِعْمَالِهِ فِيهِ، وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ فَلَا يَكُونُ حَقِيقَةً فِي الْإِزَالَةِ وَالْإِعْدَامِ دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ، وَذَهَبَ الْبَصْرِيُّ إلَى عَكْسِ ذَلِكَ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: إنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، وَفِي كُلِّيَّاتِ أَبِي الْبَقَاءِ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: الْقُرْآنُ مَنْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ نُسِخَ مِنْ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ (قَوْلُهُ: رَفْعٌ لِلْحُكْمِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>