وَأَيْضًا فَقَائِمٌ الْمُسْنَدُ إلَى ضَمِيرِ زَيْدٍ مُشْتَمِلٌ عَلَى نِسْبَةٍ هِيَ قِيَامُ زَيْدٍ، وَهِيَ مَوْرِدُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِي الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ لَا بُنُوَّةُ زَيْدٍ لِعَمْرٍو فِيهِ أَيْضًا؛ إذْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْإِخْبَارَ بِهَا (وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ هُنَا وَهُوَ أَنَّ الْمَوْرِدَ النِّسْبَةُ أَيْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ (قَالَ) الْإِمَامُ (مَالِكٌ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا: الشَّهَادَةُ بِتَوْكِيلِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ فُلَانًا شَهَادَةٌ بِالْوَكَالَةِ) أَيْ التَّوْكِيلِ (فَقَطْ) أَيْ دُونَ نَسَبِ الْمُوَكِّلِ، وَوَجْهُ بِنَائِهِ عَلَى مَا ذُكِرَ أَنَّ مُتَعَلَّقَ الشَّهَادَةِ خَبَرٌ كَمَا سَيَأْتِي (وَالْمَذْهَبُ) أَيْ الرَّاجِحُ عِنْدَنَا أَنَّهَا شَهَادَةٌ (بِالنَّسَبِ) لِلْمُوَكِّلِ (ضِمْنًا وَالْوَكَالَةِ) أَيْ التَّوْكِيلِ (أَصْلًا) لِتَضَمُّنِ ثُبُوتِ التَّوْكِيلِ الْمَقْصُودِ لِثُبُوتِ نَسَبِ الْمُوَكِّلِ لِغَيْبَتِهِ عَنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ.
(مَسْأَلَةٌ الْخَبَرُ) بِالنَّظَرِ إلَى أُمُورٍ خَارِجَةٍ عَنْهُ (إمَّا مَقْطُوعٌ بِكَذِبِهِ كَالْمَعْلُومِ خِلَافُهُ ضَرُورَةً) مِثْلُ قَوْلِ الْقَائِلِ النَّقِيضَانِ يَجْتَمِعَانِ أَوْ يَرْتَفِعَانِ (أَوْ اسْتِدْلَالًا) نَحْوُ قَوْلِ الْفَلْسَفِيِّ: الْعِلْمُ قَدِيمٌ (وَكُلُّ خَبَرٍ) عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَوْهَمَ بَاطِلًا) أَيْ أَوْقَعَهُ فِي الْوَهْمِ أَيْ الذِّهْنِ (وَلَمْ يَقْبَلْ التَّأْوِيلَ فَمَكْذُوبٌ) عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعِصْمَتِهِ عَنْ قَوْلِ الْبَاطِلِ (أَوْ نَقَصَ مِنْهُ) مِنْ جِهَةِ رَاوِيهِ (مَا يُزِيلُ الْوَهْمَ) الْحَاصِلَ بِالنَّقْصِ مِنْهُ، مِنْ الْأَوَّلِ مَا رُوِيَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ نَفْسَهُ فَإِنَّهُ يُوهِمُ حُدُوثَهُ، أَيْ يُوقِعَ فِي الْوَهْمِ أَيْ الذِّهْنِ ذَلِكَ، وَقَدْ دَلَّ الْعَقْلُ الْقَاطِعُ عَلَى أَنَّهُ - تَعَالَى - مُنَزَّهٌ عَنْ الْحُدُوثِ.
وَمِنْ الثَّانِي مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْعِشَاءِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ فَقَالَ
ــ
[حاشية العطار]
رِسَالَتِهِ الْحَرْفِيَّةِ أَنَّ فِي قَوْلِك زَيْدٌ قَامَ أَبُوهُ حُكْمَيْنِ الْحُكْمُ بِأَنَّ أَبَا زَيْدٍ قَائِمٌ.
وَالثَّانِي: أَنَّ زَيْدًا قَائِمُ الْأَبِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ لَيْسَا بِمَفْهُومَيْنِ صَرِيحًا مِنْ هَذَا الْكَلَامِ بَلْ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ أَحَدُهُمَا، وَالْآخَرُ يُفْهَمُ الْتِزَامًا، فَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْأَوَّلَ فَزَيْدٌ فِي هَذَا الْكَلَامِ بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِهِ الصَّرِيحِ لَيْسَ مَحْكُومًا عَلَيْهِ، وَلَا مَحْكُومًا بِهِ حَقِيقَةً بَلْ هُوَ قَيَّدَ بِهِ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الثَّانِيَ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ فَلَا حُكْمَ صَرِيحًا بَيْنَ الْقِيَامِ وَالْأَبِ بَلْ الْأَبُ قَيْدٌ لِلْمُسْنَدِ الَّذِي هُوَ الْقِيَامُ؛ إذْ بِهِ يَتِمُّ مُسْنَدًا إلَى زَيْدٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا) أَيْ كَمَا أَنَّ مَوْرِدَهُ النِّسْبَةُ (قَوْلُهُ: هِيَ قِيَامُ زَيْدٍ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ أَيْ ثُبُوتُ الْقِيَامِ لِزَيْدٍ (قَوْلُهُ: وَهِيَ مَوْرِدُ الصِّدْقِ) فَإِنْ طَابَقَ الْخَارِجَ فَصِدْقٌ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: وَوَجْهُ بِنَائِهِ عَلَى مَا ذُكِرَ إلَخْ) قَدْ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ أَنَّ النِّسَبَ الْوَاقِعَةَ فِي أَطْرَافِ الْخَبَرِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَلْحُوظَةً بِالذَّاتِ حَتَّى لَمْ تَكُنْ مَوْرِدًا لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ؛ لِأَنَّهَا مَلْحُوظَةٌ بِالتَّبَعِ لِتَعْيِينِ الْأَطْرَافِ فَهِيَ قُيُودٌ لِلْخَبَرِ، وَالْقَائِلُ بِالْخَبَرِ قَائِلٌ بِقُيُودِهِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ قَصَدَ الْإِخْبَارَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ الْوَاقِعِ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْخَبَرُ، فَخُرُوجُهَا عَنْ كَوْنِهَا مَوْرِدِ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْإِخْبَارِ بِهَا بِالتَّبَعِ بَلْ يَقْتَضِي كَوْنَهَا قُيُودًا لِلْخَبَرِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ وَجْهُ الْمَذْهَبِ الْآتِي تَأَمَّلْ اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: مُتَعَلَّقُ الشَّهَادَةِ خَبَرٌ) أَيْ وَالْخَبَرُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالنِّسَبِ الْإِسْنَادِيَّةِ دُونَ التَّقْيِيدِيَّةِ (قَوْلُهُ: أَيْ الرَّاجِحُ عِنْدَنَا) قَالَ الْكَمَالُ يَشْهَدُ اسْتِدْلَالُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ عَلَى صِحَّةِ أَنْكِحَةِ الْكُفَّارِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ} [القصص: ٩] وَمَا فِي الْبُخَارِيِّ مَرْفُوعًا «أَنَّهُ يُقَالُ لِلنَّصَارَى مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ» اهـ.
(قَوْلُهُ: لِغَيْبَتِهِ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ إذْ لَوْ كَانَ حَاضِرًا لَشَهِدَ عَلَى عَيْنِهِ وَسَجَّلَ عَلَيْهَا اهـ.
وَأَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ جَوَازِ الشَّهَادَةِ مَعَ حُضُورِهِ عَلَى اسْمِهِ وَنَسَبِهِ الْمُمَيِّزِ لَهُ أَيْضًا، وَعَلَى هَذَا فَالتَّعْلِيلُ بِالْغَيْبَةِ لِلُزُومِ الشَّهَادَةِ حِينَئِذٍ؛ إذْ لَا يَتَأَتَّى مَعَ الْغَيْبَةِ الْإِشَارَةُ إلَى الْعَيْنِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. سم.
[مَسْأَلَةٌ الْخَبَرُ إمَّا مَقْطُوعٌ بِكَذِبِهِ أَوْ اسْتِدْلَالًا]
(قَوْلُهُ: بِالنَّظَرِ إلَى أُمُورٍ إلَخْ) وَأَمَّا بِالنَّظَرِ إلَى نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُهُمَا جَمِيعًا (قَوْلُهُ: إمَّا مَقْطُوعٌ بِكَذِبِهِ) قَدَّمَهُ لِطُولِ الْكَلَامِ عَلَى الصَّادِقِ (قَوْلُهُ: كَالْمَعْلُومِ خِلَافُهُ) أَيْ خِلَافُ مَدْلُولِهِ (قَوْلُهُ: وَكُلُّ خَبَرٍ عَنْهُ) أَيْ نُقِلَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: أَوْهَمَ بَاطِلًا) الظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَى الْإِيهَامَ هُنَا الدَّلَالَةُ؛ إذْ مَا احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ رَاجِحًا وَمَرْجُوحًا، وَالْمَرْجُوحُ بَاطِلٌ لَيْسَ بِمَقْطُوعِ الْكَذِبِ لِإِمْكَانِ الذَّهَابِ إلَى الطَّرَفِ الْآخَرِ (قَوْلُهُ: أَوْ نَقَصَ مِنْهُ) عُطِفَ عَلَى " مَكْذُوبٌ " (قَوْلُهُ: مَا يُزِيلُ الْوَهْمَ) أَيْ لَفْظٌ لَوْ ذُكِرَ لَازَالَ الْوَهْمُ