للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَوَهَلَ النَّاسُ فِي مَقَالَتِهِ، وَإِنَّمَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ لَا يَبْقَى يُرِيدُ أَنْ يَنْخَرِمَ ذَلِكَ الْقَرْنُ» قَوْلُهُ: فَوَهَلَ النَّاسُ بِفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ غَلِطُوا فِي فَهْمِ الْمُرَادِ حَيْثُ لَمْ يَسْمَعُوا لَفْظَةَ الْيَوْمِ، وَيُوَافِقُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «لَا يَأْتِي مِائَةُ سَنَةٍ وَعَلَى الْأَرْضِ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ الْيَوْمَ» وَحَدِيثُ جَابِرٍ «مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ الْيَوْمَ يَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ، وَهِيَ حَيَّةٌ يَوْمَئِذٍ» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَهْرٍ وَقَوْلُهُ مَنْفُوسَةٌ أَيْ مَوْلُودَةٌ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمَلَائِكَةِ

(وَسَبَبُ الْوَضْعِ) لِلْغَيْرِ بِأَنْ يَكْذِبَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (نِسْيَانٌ) مِنْ الرَّاوِيِّ لِمَا رَوَاهُ فَيَذْكُرُ غَيْرَهُ ظَانًّا أَنَّهُ الْمَرْوِيُّ (أَوْ افْتِرَاءً) عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَوَضْعِ الزَّنَادِقَةِ أَحَادِيثَ تُخَالِفُ الْمَعْقُولَ تَنْفِيرًا لِلْعُقَلَاءِ عَنْ شَرِيعَتِهِ الْمُطَهَّرَةِ (غَلَطٌ) مِنْ الرَّاوِيِّ بِأَنْ يَسْبِقَ لِسَانُهُ إلَى غَيْرِ مَا رَوَاهُ

ــ

[حاشية العطار]

قَوْلُهُ: أَرَأَيْتَكُمْ إلَخْ) التَّاءُ فَاعِلٌ وَالْكَافُ حَرْفٌ دَالٌّ عَلَى حَالِ الْمُخَاطَبِ وَالْمَعْنَى أَخْبَرُونِي، وَالْقَصْدُ بِذَلِكَ التَّعَجُّبُ وَلَيْلَتَكُمْ مَفْعُولٌ، وَقَوْلُهُ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ أَيْ آخِرِ، وَاسْمُ إنَّ ضَمِيرُ الشَّأْنِ مَحْذُوفٌ وَقَوْلُهُ: مِنْهَا نَعْتُ مِائَةٍ وَمِنْ لِلِابْتِدَاءِ أَيْ مِائَةِ سَنَةٍ مُبْتَدَأَةٍ مِنْ هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَقَوْلُهُ: لَا يَبْقَى خَبَرٌ " فَإِنَّ " وَقَوْلُهُ: مِمَّنْ حَالٌ مِنْ " أَحَدٌ " وَقَوْلُهُ: الْيَوْمَ خَبَرٌ عَنْ هُوَ وَإِنْ كَانَ جُثَّةً لِكَوْنِهِ عَامًّا هَذَا إنْ كَانَ قَوْلُهُ: عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مُتَعَلِّقًا بِيَبْقَى أَمَّا إنْ كَانَ هُوَ الْخَبَرَ عَنْ قَوْلِهِ هُوَ فَالْيَوْمَ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ فَالْعَامِلُ فِيهِ مُتَعَلِّقُ قَوْلِهِ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ وَهُوَ الِاسْتِقْرَارُ اهـ. نَجَّارِيٌّ.

(قَوْلُهُ: ذَلِكَ الْقَرْنُ) أَيْ الْقَوْمُ الْمَوْجُودُونَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لِانْخِرَامِ الْعَالَمِ كُلِّهِ الشَّامِلِ مَا بَعْدَ ذَلِكَ الْقَرْنِ (قَوْلُهُ: وَيُوَافِقُهُ فِيهَا) أَيْ فِي لَفْظَةِ الْيَوْمِ أَيْ فِي إثْبَاتِهَا (قَوْلُهُ: مِائَةِ سَنَةٍ) أَيْ آخِرِهَا (قَوْلُهُ: الْيَوْمَ) ظَرْفٌ لِمَنْفُوسَةِ وَالْمُرَادُ بِالْيَوْمِ الْقِطْعَةُ مِنْ الزَّمَانِ، وَهِيَ حَالَةٌ إخْبَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْمَلَائِكَةِ) أَيْ وَلَا يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ الْجِنِّ فَإِنَّهَا مَوْلُودَةٌ لَكِنْ قَدْ يُشْكِلُ بِإِبْلِيسَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقَرِضْ مَعَ أَنَّهُ مِنْ الْجِنِّ، وَكَانَ مَوْجُودًا حِينَئِذٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِمَنْعِ أَنَّهُ مَوْلُودٌ وَبِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَلَعَلَّهُ كَانَ فِي الْهَوَاءِ أَوْ عَلَى الْبَحْرِ فَيَخْرُجُ بِقَوْلِهِ: عَلَى ظَهْرِ وَبِمِثْلِهِ يُجَابُ عَنْ إيرَادِ الْخَضِرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حَيٌّ، وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ حَدِيثَ " يَبْعَثُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةٍ " إلَخْ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَلَا يُبْنَى عَلَى تَارِيخِ الْهِجْرَةِ بَلْ مِنْ تَحْدِيدِهِ، وَذَلِكَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِعَشَرَةِ أَعْوَامٍ فَيَتَأَخَّرُ التَّحْدِيدُ عَنْ الْقَرْنِ الْهِجْرِيِّ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ (قَوْلُهُ: وَسَبَبُ الْوَضْعِ) أَيْ الْكَذِبِ، وَعَبَّرَ بِهِ تَفَنُّنًا (قَوْلُهُ: أَوْ افْتِرَاءٌ) الْأَوْلَى أَوْ تَنْفِيرٌ إذْ الِافْتِرَاءُ قِسْمٌ مِنْ الْوَضْعِ لَا سَبَبٌ لَهُ

(قَوْلُهُ: كَوَضْعِ الزَّنَادِقَةِ) قَالَ الشَّيْخُ خَالِدٌ: وَضَعَتْ الزَّنَادِقَةُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ حَدِيثٍ تُخَالِفُ الْمَعْقُولَ تَنْفِيرًا لِلْعُقَلَاءِ عَنْ شَرِيعَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ اهـ.

وَقَالَ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: مِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّ خُلِقَ رَبُّنَا فَقَالَ خَلَقَ خَيْلًا فَأَجْرَاهَا فَعَرِقَتْ فَخَلَقَ نَفْسَهُ مِنْ ذَلِكَ الْعَرَقِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ، وَمِنْهَا مَا وَقَعَ مِنْ الْغُلَاةِ الْمُتَعَصِّبِينَ فِي تَقْرِيرِ مَذْهَبِهِمْ وَرَدًّا عَلَى خُصُومِهِمْ كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ «سَيَجِيءُ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَقُولُونَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَمَنْ قَالَ ذَلِكَ كَفَرَ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ وَطَلُقَتْ امْرَأَتُهُ مِنْ سَاعَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِمُؤْمِنَةٍ أَنْ تَكُونَ تَحْتَ كَافِرٍ» وَعَنْ جَهَلَةِ الْقُصَّاصِ تَرْقِيقًا لِقُلُوبِ الْعَوَامّ كَمَا سَمِعَ أَحْمَدُ وَيَحْيَى فِي مَسْجِدٍ عَنْ قَاصٍّ يَقُولُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَنْ عَبْدِ الرَّازِقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ خَلَقَ اللَّهُ مِنْ كُلِّ كَلِمَةٍ مِنْهَا طَيْرًا مِنْقَارُهُ مِنْ ذَهَبٍ وَرِيشُهُ مِنْ مَرْجَانَ» وَأَخَذَ فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ فَأَنْكَرَا عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ: الْيَسْ فِي الدُّنْيَا غَيْرُكُمَا أَحْمَدُ وَيَحْيَى أَوْ عَلَى الْهَالِكِينَ عَلَى الْمَالِ وَالْجَاهِ تَقَرُّبًا إلَى الْحُكَّامِ كَمَا وَضَعُوا فِي الدَّوْلَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ نُصُوصًا عَلَى إمَامَةِ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اهـ.

وَأَقُولُ: فِي الْكُتُبِ الْمُؤَلَّفَةِ فِي الْمَوْضُوعَاتِ غَرَائِبُ كَثِيرَةٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلِكَلَامِ النُّبُوَّةِ رَوْنَقٌ وَسِرٌّ يَنْجَلِي لِمَنْ أَكْثَرَ النَّظَرَ فِي كُتُبِ السُّنَّةِ وَفَّقَنَا اللَّهُ لِذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>