عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ فِي زِيَادَتِهَا عَلَى الْقُرْآنِ كَزِيَادَةِ التَّغْرِيبِ عَلَى الْجَلْدِ الثَّابِتَةِ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» وَزِيَادَةِ اعْتِبَارِ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ عَلَى الرَّجُلَيْنِ وَالرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ الثَّابِتَةِ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ» بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُتَوَاتِرَ لَا يُنْسَخُ بِالْآحَادِ (وَإِلَى الْمَأْخَذِ) الْمَذْكُورِ (عَوْدُ الْأَقْوَالِ الْمُفَصَّلَةِ وَالْفُرُوعِ الْمُبَيَّنَةِ) أَيْ الَّتِي بَيَّنَهَا الْعُلَمَاءُ حَاكِمِينَ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهَا نَسْخٌ، أَوْ لَا مِنْهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ زِيَادَةِ التَّغْرِيبِ وَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُفَصَّلَةِ أَنَّ الزِّيَادَةَ إنْ غَيَّرَتْ الْمَزِيدَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَجَبَ اسْتِئْنَافُهُ كَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ فِي الْمَغْرِبِ فَهِيَ نَسْخٌ، وَإِلَّا كَزِيَادَةِ التَّغْرِيبِ فِي حَدِّ الزِّنَا فَلَا وَمِنْهَا أَنَّ الزِّيَادَةَ إنْ اتَّصَلَتْ بِالْمَزِيدِ عَلَيْهِ اتِّصَالَ اتِّحَادٍ كَزِيَادَةِ رَكْعَتَيْنِ فِي الصُّبْحِ فَهِيَ نَسْخٌ، وَإِلَّا كَزِيَادَةِ عِشْرِينَ جَلْدَةً فِي حَدِّ الْقَذْفِ فَلَا (وَكَذَا الْخِلَافُ فِي) نَقْصِ (جُزْءِ الْعِبَادَةِ أَوْ شَرْطِهَا) كَنَقْصِ رَكْعَةٍ أَوْ نَقْصِ الْوُضُوءِ هَلْ هُوَ نَسْخٌ لَهَا فَقِيلَ: نَعَمْ إلَى ذَلِكَ النَّاقِصِ لِجَوَازِهِ أَوْ وُجُوبِهِ بَعْدَ تَحْرِيمِهِ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: لَا وَالنَّسْخُ لِلْجَزَاءِ وَالشَّرْطِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُتْرَكُ، وَقِيلَ: نَقْصُ الْجَزَاءِ نَسْخٌ بِخِلَافِ نَقْصِ الشَّرْطِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مُتَّصِلِهِ وَمُنْفَصِلِهِ كَالِاسْتِقْبَالِ وَالْوُضُوءِ وَقِيلَ نَقْصُ الْمُنْفَصِلِ لَيْسَ بِنَسْخٍ اتِّفَاقًا.
(خَاتِمَةٌ لِلنَّسْخِ) يَتَعَيَّنُ النَّاسِخُ لِلشَّيْءِ (بِتَأَخُّرِهِ) عَنْهُ (وَطَرِيقُ الْعِلْمِ بِتَأَخُّرِهِ الْإِجْمَاعُ) بِأَنْ يُجْمِعُوا عَلَى أَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ عَلَى تَأَخُّرِهِ أَوْ (قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا نَاسِخٌ) لِذَلِكَ (أَوْ) هَذَا (بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ كُنْت نَهَيْت عَنْ كَذَا فَافْعَلُوهُ) كَحَدِيثِ مُسْلِمٍ «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا» (أَوْ النَّصُّ
ــ
[حاشية العطار]
وَلَا ضِرَارَ» بِالنَّظَرِ لِزِيَادَةِ التَّقْرِيبِ وَغَيْرِهِ
(قَوْلُهُ: بِأَخْبَارِ الْآحَادِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يُنْسَخُ بِالْآحَادِ (قَوْلُهُ: الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ) أَيْ عُقُوبَةُ زِنَا الْبِكْرِ بِالْبِكْرِ، وَالْبِكْرُ الثَّانِيَةُ لَيْسَ بِقَيْدٍ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ إذَا زَنَى بِكْرٌ بِثَيِّبٍ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ نَظَرًا لِاتِّحَادِهِمَا فِي الْحَدِّ فَإِنَّهُ لَا يَتَّحِدُ حُكْمُهُمَا إلَّا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الزَّانِي وَالْمَزْنِيِّ بِهِ بِكْرًا (قَوْلُهُ: وَإِلَى الْمَأْخَذِ) أَيْ مَحَلِّ أَخْذِ الْخِلَافِ وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِيمَا سَبَقَ بِالْمِثَالِ (قَوْلُهُ الْأَقْوَالُ الْمُفَصِّلَةُ وَالْفُرُوعُ الْمُبَيَّنَةُ) الْأَوَّلُ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَالثَّانِي بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ (قَوْلُهُ: مِنْهَا) مِنْ الْفُرُوعِ وَسَيَأْتِي قَوْلُهُ: وَمِنْ الْأَقْوَالِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْخِلَافُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَمَّا الزِّيَادَةُ فَهُوَ مُقَابِلٌ لَهُ وَلَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى الْمَأْخَذِ الْمُتَقَدِّمِ ثُمَّ إنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ تَقْرِيرِ الشَّارِحِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي كَوْنِ النَّقْصِ نَسْخًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي كَوْنِ الْمَنْسُوخِ بِهِ هُوَ الْعِبَادَةَ بِجُمْلَتِهَا نُسِخَتْ إلَى بَدَلٍ، وَهُوَ الْقَدْرُ النَّاقِصُ، أَوْ هُوَ الْجُزْءُ الَّذِي نَقَصَ فَقَطْ مَثَلًا إذَا فُرِضَ أَنَّ الْمَغْرِبَ نَقَصَ مِنْهَا رَكْعَةٌ فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الثَّلَاثَةَ قَدْ ارْتَفَعَتْ إلَى بَدَلٍ، وَهُوَ الِاثْنَانِ وَعِنْدَنَا أَنَّ الْمُرْتَفِعَ هُوَ الرَّكْعَةُ الثَّالِثَةُ (قَوْلُهُ: أَوْ شَرْطُهَا) ذَكَرَهُ وَمَا قَبْلَهُ فَرْضُ تَمْثِيلٍ وَإِلَّا فَغَيْرُهُ مِثْلُهُ كَنَقْصِ الْجَلْدَاتِ فِي حَدِّ الْجَلْدِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ إلَى ذَلِكَ النَّاقِصِ) أَيْ نَعَمْ هُوَ نَسْخٌ لِتِلْكَ الْعِبَارَةِ إلَى بَدَلٍ هُوَ ذَلِكَ النَّاقِصُ فَالظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِنَسْخٍ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْعُدُولِ وَيُمْكِنُ تَعَلُّقُهُ بِنَعَمْ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْمَحْذُوفِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ (قَوْلُهُ: وَالنَّسْخُ لِلْجَزَاءِ وَالشَّرْطِ) أَيْ كَمَا يَقُولُونَ بِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ هَذَا مَحَلُّ وِفَاقٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْكُلِّ فَهُمْ يَقُولُونَ بِنَسْخِ الْكُلِّ، وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِهِ وَأَمَّا نَسْخُ الْجَزَاءِ أَوْ الشَّرْطِ فَمَحَلُّ وِفَاقٍ (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مُتَّصِلِهِ وَمُنْفَصِلِهِ) أَشَارَ بِالتَّمْثِيلِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُتَّصِلِ مِنْ الشَّرْطِ الْمُقَارِنُ لِجَمِيعِ الْعِبَادَةِ كَالِاسْتِقْبَالِ وَبِالْمُنْفَصِلِ الْمُتَقَدِّمُ عَلَيْهَا كَالْوُضُوءِ.
[خَاتِمَةٌ لِلنَّسْخِ]
(قَوْلُهُ: لِلنَّسْخِ) أَيْ لِمَسَائِلِ النَّسْخِ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَقَوْلُهُ: وَطَرِيقُ الْعِلْمِ إلَخْ حَاصِلًا لِلطُّرُقِ الَّتِي ذَكَرَهَا عَشَرَةٌ سِتَّةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَأَرْبَعَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا (قَوْلُهُ: لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ) وَلَا يَلْزَمُنَا الْبَحْثُ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ نَفْسَهُ حُجَّةٌ وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْ لَهُ مُسْتَنَدًا (قَوْلُهُ: أَوْ النَّصُّ إلَخْ) الْمُرَادُ النَّصُّ عَلَى خِلَافِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ فِي هَذَا النَّصِّ لِلْأَوَّلِ فَيُغَايِرُ مَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ قَوْلِهِ كُنْت نَهَيْتُكُمْ إلَخْ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى النَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْأَوَّلِ، وَالْمُرَادُ بِالْخِلَافِ هُنَا خِلَافٌ يَقْتَضِي الْمُنَافَاةَ حَتَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute