عَلَى خِلَافِ الْأَوَّلِ)
أَيْ أَنْ يَذْكُرَ الشَّيْءَ عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرَهُ فِيهِ أَوَّلًا (أَوْ قَوْلُ الرَّاوِيِّ هَذَا سَابِقٌ) عَلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ ذَلِكَ مُتَأَخِّرًا (وَلَا نَظَرَ لِمُوَافَقَةِ أَحَدِ النَّصَّيْنِ لِلْأَصْلِ) أَيْ الْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ فِي أَنْ يَكُونَ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْمُخَالِفِ لَهَا خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ ذَلِكَ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْأَصْلَ مُخَالَفَةُ الشَّرْعِ لَهَا فَيَكُونُ الْمُخَالِفُ هُوَ السَّابِقَ عَلَى الْمُوَافِقِ قُلْنَا: لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لِجَوَازِ الْعَكْسِ (وَثُبُوتُ إحْدَى الْآيَتَيْنِ فِي الْمُصْحَفِ بَعْدَ الْأُخْرَى) أَيْ لَا أَثَرَ لَهُ فِي تَأَخُّرِ نُزُولِهَا خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْأَصْلَ مُوَافَقَةُ الْوَضْعِ لِلنُّزُولِ، قُلْنَا: لَكِنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ الْمُخَالَفَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي آيَتَيْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ (وَتَأَخُّرِ إسْلَامِ الرَّاوِي) أَيْ لَا أَثَرَ لَهُ فِي تَأَخُّرِ مَرْوِيِّهِ عَمَّا رَوَاهُ مُتَقَدِّمُ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ ذَلِكَ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ هُوَ الظَّاهِرُ قُلْنَا لَكِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ الْعَكْسِ (وَقَوْلُهُ) أَيْ الرَّاوِي (هَذَا نَاسِخٌ) أَيْ لَا أَثَرَ لِقَوْلِهِ فِي ثُبُوتِ النَّسْخِ بِهِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ لِعَدَالَتِهِ لَا يَقُولُ ذَلِكَ إلَّا إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ قُلْنَا: ثُبُوتُهُ عِنْدَهُ
ــ
[حاشية العطار]
يَصِحَّ النَّسْخُ كَأَنْ يَقُولَ فِي شَيْءٍ: إنَّهُ مُبَاحٌ ثُمَّ يَقُولَ فِيهِ: أَنَّهُ حَرَامٌ، وَإِلَّا فَمُطْلَقُ الْخِلَافِ لَا يَقْتَضِي الْمُنَافَاةَ الْمُصَحِّحَةِ لِلنَّسْخِ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ مَا لَوْ قَالَ فِي شَيْءٍ: إنَّهُ جَائِزٌ ثُمَّ قَالَ فِيهِ: إنَّهُ وَاجِبٌ فَإِنَّ الْوُجُوبَ خِلَافُ الْجَوَازِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَنْسَخُهُ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ يَصْدُقُ فِي الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: خِلَافُ الْأَوَّلِ) أَيْ الثَّابِتِ أَوْلَيْتُهُ (قَوْلُهُ: أَيْ بِأَنْ يَذْكُرَ) أَيْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ وَالْمُرَادُ أَنْ يَذْكُرَ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِمَا كَانَ سَابِقًا بِأَنْ يَأْمُرَ بِالثَّانِي مُجَرَّدًا عَنْ التَّنْبِيهِ عَلَى الْأَوَّلِ فَغَايَرَ مَا قَبْلَهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا طَرِيقٌ لِلنَّسْخِ لَا لِلْعِلْمِ فِي التَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّ الْأَوَّلَ أَوَلِيَّتُهُ مَعْلُومَةٌ، وَالنَّصُّ عَلَى خِلَافِ الْأَوَّلِ ثُمَّ يَخْرُجُ عَنْ التَّأَخُّرِ وَقَدْ يُقَالُ: صِحَّةُ الثَّانِي مَعَ الْعِلْمِ بِتَقَرُّرِ الْأَوَّلِ الْمُتَقَرِّرِ أَوَّلِيَّتُهُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى تَأَخُّرِهِ فَكَانَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ طَرِيقًا لِلْعِلْمِ بِتَأَخُّرِهِ؛ إذْ لَوْ حُمِلَ عَلَى مُصَاحَبَةِ الْأَوَّلِ لَنَاقَضَهُ
(قَوْلُهُ: أَوْ قَوْلُ الرَّاوِي إلَخْ) قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ قَبُولِ ذَلِكَ وَعَدَمِ قَبُولِ قَوْلِهِ: هَذَا نَاسِخٌ كَمَا سَيَأْتِي بِأَنَّ هَذَا أَقْرَبُ إلَى التَّحَقُّقِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ دَعْوَى السَّبْقِ لَا تَكُونُ عِدَّةً إلَّا عَنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ بِخِلَافِ دَعْوَى النَّسْخِ يَكْثُرُ كَوْنُهَا عَنْ اجْتِهَادٍ وَاعْتِمَادِ قُرَّاءٍ قَدْ تَخَطَّى، وَقَدْ لَا يَقُولُهُ بِهَا غَيْرُ الرَّاوِيِّ (قَوْلُهُ: هَذَا سَابِقٌ) أَيْ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا يُفِيدُ التَّرْتِيبَ كَقَوْلِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ» (قَوْلُهُ: مُخَالَفَةُ الشَّرْعِ لَهَا) أَيْ لِلْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ الْمُخَالِفُ هُوَ السَّابِقَ) أَيْ فَيَكُونُ الْمُوَافِقُ لِلْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ هُوَ النَّاسِخَ عَلَى الْمَرْجُوحِ لِتَأَخُّرِهِ عَنْهُ؛ إذْ لَوْ تَقَدَّمَ لِيَكُونَ مَنْسُوخًا لَمْ يُفِدْ إلَّا مَا كَانَ حَاصِلًا قَبْلَهُ فَيَعْرَى عَنْ الْفَائِدَةِ، وَزَعَمَ الزَّرْكَشِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّ النَّاسِخَ هُوَ الْمُخَالِفُ؛ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ الْبَرَاءَةِ إلَى إشْغَالِ الذِّمَّةِ يَقِينٌ، وَالْعَوْدُ إلَى الْإِبَاحَةِ ثَانِيًا شَكٌّ وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ مُعَارِضٌ بِمِثْلِهِ؛ إذْ عَوْدُ الْمُوَافِقِ إلَى الْإِبَاحَةِ يَقِينٌ، وَتَأَخُّرُ الْمُخَالِفِ شَكٌّ مَعَ أَنَّ مَا قَالُوهُ يَسْتَلْزِمُ عُرُوَّ الْمُوَافِقِ عَنْ الْفَائِدَةِ كَمَا مَرَّ مِنْ زَكَرِيَّا
(قَوْلُهُ: لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ) بَحَثَ فِيهِ سم بِأَنَّهُ - وَإِنْ كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ - هُوَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مُخَالَفَةُ الشَّرْعِ لَهَا، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْمُوَافِقُ هُوَ الْمُتَأَخِّرَ، وَقَدْ يُقَالُ: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ بَلْ تَارَةً يُوَافِقُ، وَتَارَةً يُخَالِفُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْأُخْرَى) إنْ قُلْت: مِنْ أَيْنَ يُسْتَفَادُ هَذَا التَّقْدِيرُ، قُلْت: مِنْ قَرِينَةِ الْحَالِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ إحْدَى الْآيَتَيْنِ فِي الْمُصْحَفِ أَمْرٌ مَعْلُومٌ بَلْ هُوَ أَمْرٌ لَازِمٌ لِكُلِّ آيَةٍ فَلَا فَائِدَةَ فِي مُجَرَّدِ الْإِخْبَارِ بِذَلِكَ فَيُعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ الْمُرَادَ ثُبُوتُهَا عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ، وَكَوْنُهَا بَعْدَ الْأُخْرَى اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: لَا أَثَرَ) أَيْ لَا تَأْثِيرَ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ) عَدَمُ اللُّزُومِ لَا يُنَافِي الْجَرَيَانَ عَلَى الْأَصْلِ فَنَتَمَسَّكُ بِهِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ (قَوْلُهُ: وَتَأَخُّرِ إسْلَامِ الرَّاوِيِّ إلَخْ) أَيْ كَمَا فِي إسْلَامِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِسْلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّ تَقَدُّمَ إسْلَامِ الْأَوَّلِ عَلَى إسْلَامِ الثَّانِي لَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الرِّوَايَةُ الَّتِي يَرْوِيَهَا الثَّانِي، وَهُوَ أَبُو هُرَيْرَةَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ الرِّوَايَةِ الَّتِي رَوَاهَا الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (قَوْلُهُ: عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ) أَيْ تَسْلِيمِ أَنَّهُ ظَاهِرٌ أَيْ وَإِلَّا فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ أَنَّهُ الظَّاهِرُ (قَوْلُهُ: فِي ثُبُوتِ النَّسْخِ) الْمُنَاسِبُ لِمَا قَبْلَهُ أَنْ يَقُولَ فِي ثُبُوتِ التَّأْخِيرِ لَكِنَّهُ عَبَّرَ بِاللَّازِمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute