تَخْفِيفٌ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَأَخَّرَ الْفِعْلُ أَوْ تَقَدَّمَ، وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ لِأَبِي الْحُسَيْنِ أَنَّ الْبَيَانَ الْمُتَقَدِّمُ فَإِنْ كَانَ الْقَوْلَ فَحُكْمُ الْفِعْلِ كَمَا سَبَقَ، أَوْ الْفِعْلَ فَمَا زَادَهُ الْقَوْلُ عَلَيْهِ مَطْلُوبٌ بِالْقَوْلِ.
(مَسْأَلَةٌ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ) لِمُجْمَلٍ أَوْ ظَاهِرٍ لَمْ يَرِدْ ظَاهِرُهُ بِقَرِينَةِ مَا سَيَأْتِي (عَنْ وَقْتِ الْفِعْلِ غَيْرُ وَاقِعٍ، وَإِنْ جَازَ) وُقُوعُهُ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الْمُجَوِّزِينَ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ، وَقَوْلُهُ: الْفِعْلُ أَحْسَنُ كَمَا قَالَ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ الْحَاجَةُ؛ لِأَنَّهَا كَمَا قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ لَائِقَةٌ بِالْمُعْتَزِلَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ بِالْمُؤْمِنِينَ حَاجَةً إلَى التَّكْلِيفِ لِيَسْتَحِقُّوا الثَّوَابَ بِالِامْتِثَالِ
ــ
[حاشية العطار]
لِامْتِزَاجِ الشَّرْحِ بِالْمَتْنِ نُزِّلَا مَنْزِلَةَ شَيْءٍ وَاحِدٍ فَكَأَنَّهُ قَائِلُهُ أَوْ يُقَالُ: إنَّ الْمُرَادَ بِمَا قُلْنَا: هُوَ قَوْلُهُ: جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ (قَوْلُهُ: تَخْفِيفٌ) أَيْ رُخْصَةٌ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: أَوْ تَقَدَّمَ) أَيْ أَوْ قَارَنَهُ، أَوْ جُهِلَ فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ: كَمَا سَبَقَ) أَيْ فِي الشَّرْحِ مِنْ أَنَّهُ تَخْفِيفٌ. .
[مَسْأَلَةٌ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ]
(قَوْلُهُ: بِقَرِينَةِ مَا سَيَأْتِي) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ أَيْ دَلِيلُ مَا هُوَ سَيَأْتِي مِنْ التَّعْمِيمِ فِي قَوْلِهِ سَوَاءٌ كَانَ لِلْمُبَيَّنِ ظَاهِرٌ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: عَنْ وَقْتِ الْفِعْلِ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ أَيْ الزَّمَنِ الَّذِي وَقَّتَهُ الشَّارِعُ لِفِعْلِ ذَلِكَ الْفِعْلِ اهـ.
وَأَقُولُ الْمَفْهُومُ مِنْ التَّأْخِيرِ عَنْ الْوَقْتِ تَأْخِيرُهُ إلَى خُرُوجِهِ وَلَا يَبْعُدُ ضَبْطُ التَّأْخِيرِ الْغَيْرِ الْوَاقِعِ بِالتَّأْخِيرِ إلَى حَدٍّ لَا يَبْقَى بَعْدَ الْبَيَانِ مِنْ وَقْتِ مَا يَسَعُ الْفِعْلَ مَعَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: غَيْرُ وَاقِعٍ) لَا يُقَالُ: بَلْ وَقَعَ كَمَا فِي صُبْحِ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ لِأَنَّا نَقُولُ: صُبْحُ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ لَمْ يَجِبْ أَصْلًا إمَّا؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا كَانَ مَشْرُوطًا بِالْبَيَانِ قَبْلَ فَوَاتِ وَقْتِهَا وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِهَذَا لَمْ يَفْعَلْهُمَا لَا أَدَاءً وَلَا قَضَاءً وَإِمَّا؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ إنَّمَا كَانَ لِظُهْرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَمَا بَعْدَهُ دُونَ مَا قَبْلَهُ وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي غَيْرِ الْوُجُوبِ الْمُعَلَّقِ عَلَى الْبَيَانِ أَمَّا هُوَ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْفِعْلِ اهـ. سم.
وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ أَنَّهُ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} [البقرة: ١٨٧] وَلَمْ يَنْزِلْ مِنْ الْفَجْرِ فَكَانَ أَحَدُنَا إذَا أَرَادَ الصَّوْمَ رَفَعَ عِقَالَيْنِ أَبْيَضَ وَأَسْوَدَ وَكَانَ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ حَتَّى يَتَبَيَّنَا فَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ التَّفْتَازَانِيُّ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي غَيْرِ الْفَرْضِ فِي الصَّوْمِ، وَوَقَعَتْ الْحَاجَةُ إنَّمَا هُوَ صَوْمُ الْفَرْضِ اهـ.
أَوْ أَنَّهُ اكْتَفَى أَوَّلًا بِإِشْهَارِ الْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ فِي ذَلِكَ ثُمَّ صَرَّحَ بِالْبَيَانِ لَمَّا الْتَبَسَ عَلَى بَعْضِهِمْ لِقِلَّةِ فَطِنْتِهِ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَفَهُ بِعَرْضِ الْقَفَا حِين أُخْبِرَ بِذَلِكَ، وَعَرْضُ الْقَفَا كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ الْفِطْنَةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ جَازَ) أَيْ عَقْلًا وَشَرْعًا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ إذَا خَاطَبَ الْمُكَلَّفِينَ بِخِطَابٍ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ بَيَّنَهُ قَبْلَ مَجِيءِ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَهَذِهِ عِلَّةُ عَدَمِ الْوُقُوعِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ أَئِمَّتِنَا إلَخْ) هَذَا فِي بَيَانِ الْمُجْمَلِ، وَأَمَّا فِي بَيَانِ الظَّاهِرِ الَّذِي لَمْ يُرَدْ ظَاهِرُهُ فَهُوَ مَحَلُّ اتِّفَاقٍ؛ لِأَنَّهُ تَكْلِيفُ مَا يُطَاقُ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ: الْفِعْلُ أَحْسَنُ إلَخْ) رُدَّ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْحَاجَةِ الْقَوْلُ بِمَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْحَاجَةِ إلَى التَّكْلِيفِ بَلْ عَلَى حَاجَةِ الْمُكَلَّفِ إلَى بَيَانِ مَا كُلِّفَ بِهِ لَكِنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ الْأَحْسَنِيَّةَ ظَاهِرًا (قَوْلُهُ: بِأَنَّ بِالْمُؤْمِنِينَ حَاجَةً إلَخْ) هَذَا لَيْسَ مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَإِنَّمَا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ هُوَ التَّحْسِينُ وَالتَّقْبِيحُ الْعَقْلِيَّانِ فَقَدْ اسْتَعْمَلَ الْفُقَهَاءُ الْحَاجَةَ كَثِيرًا، وَسَيَأْتِي يُصَرِّحُ بِهَا الْمُصَنِّفُ وَحِينَئِذٍ فَالْعَقْلُ وَالْحَاجَةُ سِيَّانِ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى مَنْ عَبَّرَ بِهَا وَلِذَلِكَ تَبَرَّأَ الشَّارِحُ وَقَالَ كَمَا قَالَ (قَوْلُهُ: كَمَا قَالَ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute