للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي التَّسْمِيَةِ الَّتِي الْكَلَامُ فِيهَا.

(وَالْمَنْدُوبُ وَالْمُسْتَحَبُّ وَالتَّطَوُّعُ وَالسُّنَّةُ مُتَرَادِفَةٌ) أَيْ أَسْمَاءٌ لِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ كَمَا عُلِمَ مِنْ حَدِّ النَّدْبِ الْفِعْلُ الْمَطْلُوبُ طَلَبًا غَيْرَ جَازِمٍ (خِلَافًا لِبَعْضِ أَصْحَابَنَا) أَيْ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَغَيْرُهُ فِي تَفْهِيمِ تَرَادُفِهَا حَيْثُ قَالُوا هَذَا الْفِعْلُ إنْ وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ السُّنَّةُ أَوْ لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ كَأَنْ فَعَلَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ

ــ

[حاشية العطار]

صَحِيحَةً الَّذِي هُوَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ خِطَابِ الْوَضْعِ مِنْ الْفِقْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ مُتَعَلِّقِ الْحُكْمِ الْمُتَعَارَفِ أَيْ الْحُكْمِ التَّكْلِيفِيِّ صَحِيحُ لِأَنَّ الْفِقْهَ بَاحِثٌ عَنْ الْخِطَابَيْنِ التَّكْلِيفِيِّ وَالْوَضْعِيِّ لِأَنَّهُ يَبْحَثُ عَنْ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ حَيْثُ تَحِلُّ وَتَحْرُمُ وَتَصِحُّ وَتَفْسُدُ.

(قَوْلُهُ: لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي التَّسْمِيَةِ) قَالَ النَّاصِرُ الْمُتَبَادِرُ أَنْ يُقَالَ لَا مَدْخَلَ لِلتَّسْمِيَةِ فِيهِ لِأَنَّهُ نَاشِئٌ عَنْ الدَّلِيلِ الَّذِي دَلَّ الْمُجْتَهِدَ عَلَى ذَلِكَ الْأَمْرِ الْفِقْهِيِّ لَا عَنْ التَّسْمِيَةِ فَالْمَقْصُودُ نَفْيُ مَدْخَلِيَّةِ التَّسْمِيَةِ فِي عَدَمِ الْفَسَادِ إذْ لَوْ كَانَ لَهَا مَدْخَلٌ فِيهِ كَانَ النِّزَاعُ فِيهَا نِزَاعًا فِيهِ فَيَكُونُ الْخِلَافُ مَعْنَوِيًّا وَلَعَلَّ وَجْهَ مَا عَبَّرَ بِهِ الشَّارِحُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِعَدَمِ الْفَسَادِ مَدْخَلِيَّةُ التَّسْمِيَةِ كَانَ النِّزَاعُ فِيهَا فَرْعَ النِّزَاعِ فِيهِ فَيَكُونُ الْخِلَافُ مَعْنَوِيًّا وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ ظَنِّيَّةَ الدَّلِيلِ لَمَّا كَانَتْ سَبَبًا لِلتَّسْمِيَةِ بِالْوَاجِبِ أَيْ السَّاقِطِ وَلِعَدَمِ الْفَسَادِ بِالتَّرْكِ وَكَانَتْ قَطْعِيَّةُ الدَّلِيلِ سَبَبًا لِضِدِّ ذَلِكَ كَانَ لِعَدَمِ الْفَسَادِ مَدْخَلٌ فِي التَّسْمِيَةِ بِاعْتِبَارِ سَبَبِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَدْخَلٌ بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَعْتَبِرْ السَّبَبَ.

[تَعْرِيفِ الْمَنْدُوبُ وَالْمُسْتَحَبُّ وَالتَّطَوُّعُ وَالسُّنَّةُ]

(قَوْلُهُ: وَالْمَنْدُوبُ وَالْمُسْتَحَبُّ) وَمِثْلُهُ الْحَسَنُ وَالنَّفَلُ وَالْمُرَغَّبُ فِيهِ (قَوْله مُتَرَادِفَةٌ) أَيْ اصْطِلَاحًا لُغَةً نَظِيرَ مَا مَرَّ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْوَاحِدُ.

(قَوْلُهُ: كَمَا عُلِمَ) أَيْ عَلَى مَا عُلِمَ أَيْ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ لَا بِوَصْفِ كَوْنِهِ مُسَمًّى بِتِلْكَ الْأَسْمَاءِ.

(قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُ) كَالْبَغَوِيِّ فِي تَهْذِيبِهِ وَالْخُوَارِزْمِي فِي الْكَافِي وَالْغَزَالِيِّ فِي الْإِحْيَاءِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ قَالُوا) ظَرْفٌ لِنَفْيِهِمْ وَالْحَيْثِيَّةُ تَعْلِيلِيَّةٌ.

(قَوْلُهُ: هَذَا الْفِعْلُ) أَيْ الْفِعْلُ الْمَطْلُوبُ ظُلْمًا غَيْرُ جَازِمٍ الَّذِي هُوَ كُلِّيٌّ وَفَائِدَةُ الْإِشَارَةِ بَيَانُ أَنَّ التَّفْصِيلَ فِي الْفِعْلِ الْمَذْكُورِ لَا فِي مُطْلَقِ الْفِعْلِ وَلَيْسَتْ الْإِشَارَةُ لِلْفِعْلِ الْجُزْئِيِّ كَمَا تُوهِمُهُ الْإِشَارَةُ إذْ الْجُزْئِيُّ الْحَقِيقِيُّ لَا تُتَصَوَّرُ الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهِ وَلَا فِعْلُهُ مَرَّتَيْنِ لِأَنَّهُ مَتَى فَعَلَهُ مَرَّةً انْقَضَى فَالْمُعَادُ لَيْسَ هُوَ بِعَيْنِهِ بَلْ فِعْلٌ مُمَاثِلٌ لَهُ لِأَنَّ الْفِعْلَ عَرَضٌ وَالْعَرَضُ لَا يَدُومُ وَقَدْ يُقَالُ هَذَا تَدْقِيقٌ فَلْسَفِيٌّ وَالْعُرْفُ الْعَامُّ لَا يَلْتَفِتُ لِمِثْلِهِ فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الشَّرْحِ مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ إذَا فَعَلَ مَنْدُوبًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ كَلَامَ الْفُقَهَاءِ صَرِيحٌ فِي رَدِّ هَذَا الْمَنْقُولِ لِأَنَّهُمْ فَرَّقُوا فِي رَوَاتِبِ الصَّلَاةِ بَيْنَ الْمُؤَكَّدِ مِنْهَا وَغَيْرِهِ بِمُدَاوَمَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَدَمِهَا وَهَذَا صَرِيحٌ مِنْهُمْ فِي عَدَمِ مُدَاوَمَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى غَيْرِ الْمُؤَكَّدِ وَلِأَنَّ فِي التِّرْمِذِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَدَعُ الضُّحَى حَتَّى نَقُولَ لَا يُصَلِّيهَا بَعْدُ» وَلِأَنَّهُمْ جَمَعُوا بَيْنَ الرِّوَايَةِ الدَّالَّةِ عَلَى «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَصُومُ جَمِيعَ شَعْبَانَ» وَالرِّوَايَةُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ بَعْضَهُ بِأَنَّهُ تَارَةً كَانَ يَصُومُ كُلَّهُ وَتَارَةً كَانَ يَصُومُ بَعْضَهُ وَاحْتِمَالُ أَنَّ مَرَّاتِ الْبَعْضِ تَقَدَّمَتْ وَمَرَّاتِ الْكُلِّ تَأَخَّرَتْ فَلَمْ يَلْزَمْ التَّرْكُ بَعْدَ الْفِعْلِ بَعِيدٌ نَعَمْ ذَكَرَ السُّيُوطِيّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ عَدَّ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ جَمِيعَ نَوَافِلِهِ كَانَتْ فَرْضًا.

وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ خِلَافُ هَذَا أَيْضًا فَإِنَّهُمْ حَكَمُوا خِلَافًا فِي نَوَافِلَ مُعَيَّنَةٍ كَالضُّحَى هَلْ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لَا فَلَوْ وَافَقُوا عَلَى وُجُوبِ جَمِيعِ نَوَافِلِهِ لَمْ يَتَّجِهْ تَخْصِيصُ بَعْضِ النَّوَافِلِ بِالْخِلَافِ وَمَعَ ذَلِكَ فَهَذَا لَا يُنَافِي التَّفْصِيلَ فِي نَفْسِهِ لِجَوَازِ أَنَّ بَعْضَ نَوَافِلِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْمُدَاوَمَةِ وَالْبَعْضَ وَجَبَ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُدَاوَمَةِ بَلْ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ.

وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إتْمَامَ كُلِّ تَطَوُّعٍ شُرِعَ فِيهِ أَيْ وُجُوبُ ذَلِكَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَضِيَّةَ ذَلِكَ عَدَمُ وُجُوبِ نَوَافِلِهِ وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِذِكْرِ وُجُوبِ الْإِتْمَامِ مَعَ وُجُوبِ الْأَصْلِ (قَوْلُهُ: كَانَ فِعْلُهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ) دَلَّتْ الْكَافُ عَلَى عَدَمِ الِانْحِصَارِ فِي الْمَرَّةِ وَالْمَرَّتَيْنِ وَلَعَلَّ الضَّابِطَ مَا لَمْ يَنْتَهِ إلَى حَدِّ الْمُوَاظَبَةِ وَيَبْقَى الْكَلَامُ فِي ضَابِطِ الْمُوَاظَبَةِ وَلَعَلَّهُ أَنْ لَا يُتْرَكَ إلَّا لِعُذْرٍ وَبَقِيَ النَّظَرُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>