للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى اسْتِئْثَارِ اللَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ أَيْ لَا يَتَجَاوَزُهُ إلَى أَنْ يَكُونَ الْإِلَهُ كَغَيْرِهِ مُتَعَدِّدًا كَمَا عَلَيْهِ الْمُخَاطَبُونَ وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي آيَةِ {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ} [الحديد: ٢٠] أَرَادَ أَنَّ الدُّنْيَا لَيْسَتْ إلَّا هَذِهِ الْأُمُورُ الْمُحَقَّرَاتُ أَيْ وَأَمَّا الْعِبَادَاتُ وَالْقُرَبُ فَمِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ لِظُهُورِ ثَمَرَتِهَا فِيهَا.

وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ إفَادَتَهَا الْحَصْرَ عَنْ التَّوَخِّيِّ أَيْضًا فِي الْأَقْصَى الْقَرِيبِ وَفِي قَوْلِهِ كَابْنِ هِشَامٍ ادَّعَى إشَارَةً إلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ بَقَاءِ إنَّ فِيهَا عَلَى مَصْدَرِيَّتِهَا مَعَ كَفِّهَا بِمَا وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِذَلِكَ فِيمَا عَلِمْت اكْتِفَاءً بِكَوْنِهَا فِيهَا مِنْ أَفْرَاد إنَّ وَعَلَى هَذَا مَعْنَى الْآيَةِ الْأُولَى مَا يُوحَى إلَيَّ فِي أَمْرِ الْإِلَهُ إلَّا وَحْدَانِيَّتَهُ أَيْ لَا مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ اشْتِرَاكٍ، وَمَعْنَى الثَّانِيَةِ اعْلَمُوا حَقَارَةَ الدُّنْيَا أَيْ فَلَا تُؤْثِرُوهَا عَلَى الْآخِرَةِ الْجَلِيلَةِ فَبَقَاءُ إنَّ فِي الْآيَتَيْنِ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ كَافٍ فِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِمَا مِنْ نَفْيِ الشَّرِيكِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَتَحْقِيرِ الدُّنْيَا

(مَسْأَلَةٌ مِنْ الْأَلْطَافِ) :

جَمْعُ لَطَفٍ بِمَعْنَى مَلْطُوفٍ

ــ

[حاشية العطار]

أَمْرِ الْإِلَهِ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ دُونَ غَيْرِهَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْإِلَهِ بَلْ بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّعَدُّدِ فَقَطْ فَالْقَصْر بِإِنَّمَا مَكْسُورَةٌ إضَافِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ (قَوْلُهُ: عَلَى اسْتِيثَارِ) أَيْ اخْتِصَاصِ اللَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَهَذَا مِنْ أَنَّمَا الْمَفْتُوحَةِ فَالْمَقْصُورُ هُوَ الْوَحْدَانِيَّةُ وَالْمَقْصُورُ عَلَيْهِ هُوَ اللَّهُ فَهُوَ مِنْ قَصْرِ الصِّفَةِ عَلَى الْمَوْصُوفِ وَهُوَ قَصْرُ أَفْرَادٍ رَدًّا عَلَى مَنْ اعْتَقَدَ الشَّرِكَةَ وَفِيهِ أَنَّ اعْتِقَادَ الشَّرِكَةِ فِي الْوَحْدَانِيَّةِ تُدَافَعُ إذْ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا اعْتِقَادٌ، فَإِنَّهَا نَفْيُ التَّعَدُّدِ فَلَا يَتَأَتَّى الرَّدُّ إذْ مَتَى مَا حَصَلَ إشْرَاكٌ وَلَا وَحْدَانِيَّةٌ كَذَا أَوْرَدَ النَّاصِرُ قَالَ وَالصَّوَابُ أَنْ يُجْعَلَ الْمَحْصُورُ إلَهَكُمْ وَهُوَ الْمَعْبُودُ بِحَقٍّ وَالْمَحْصُورُ فِيهِ إلَهٌ وَاحِدٌ عَلَى أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ اللَّهِ.

وَأَجَابَ النَّجَّارِيُّ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ قَصْرِ الْقَلْبِ وَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْوَحْدَانِيَّةَ قَاصِرَةٌ عَلَى اللَّهِ لَا يُوصَفُ بِهَا غَيْرُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْمُخَاطَبِينَ لَمْ يَعْتَقِدُوا قَصْرَ الْوَحْدَانِيَّةِ عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِمْ بِقَصْرِ الْقَلْبِ.

وَقَالَ سم: إنَّهُ مِنْ قَصْرِ الْمَوْصُوفِ عَلَى الصِّفَةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْإِلَهَ وَهُوَ الْمَعْبُودُ بِحَقٍّ مَقْصُورٌ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ لَا يَتَجَاوَزُهَا إلَى التَّعَدُّدِ كَمَا قَالَ الْمُخَاطَبُونَ وَإِلَى ذَلِكَ يُشِيرُ قَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ لَا يَتَجَاوَزُهُ قَالَ وَمَا قَالَهُ النَّاصِرُ خِلَافُ قَاعِدَةِ الْحَصْرِ بِإِنَّمَا، فَإِنَّهَا لِقَصْرِ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي وَهُوَ الْمَقْصُورُ عَلَيْهِ، وَجَعْلُ الْوَصْفِ كِنَايَةً عَنْ الْعِلْمِ بَعِيدٌ اهـ.

وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ هَذَا خِلَافُ قَوْلِ الشَّارِحِ اسْتِيثَارُ اللَّهِ الْوَحْدَانِيَّةَ، فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْهُ مَا قَالَهُ النَّاصِرُ نَعَمْ جَعْلُ الْوَصْفِ كِنَايَةً عَنْ الْعِلْمِ بَعِيدٌ غَايَةَ الْبُعْدِ؛ لِأَنَّهُ مَحْوٌ لِخَوَاصِّ الْأَلْفَاظِ وَتَصَرُّفٌ فِي التَّرَاكِيبِ بِمَا لَا يُسَوِّغُهُ أَرْبَابُ الْمَعَانِي

(قَوْلُهُ: أَيْ لَا يَتَجَاوَزُهُ) أَيْ لَا يَتَجَاوَزُ الْوَحْيُ الِاسْتِئْثَارَ وَدَفَعَ بِهَذَا مَا أَوْرَدَهُ أَبُو حَيَّانَ عَلَى الزَّمَخْشَرِيِّ بِأَنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يُوحَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَمْرِ الْإِلَهِ سِوَى التَّوْحِيدِ مَعَ أَنَّهُ أُوحِيَ إلَيْهِ فِي شَأْنِ الْإِلَهِ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ غَيْرُ الْوَحْدَانِيَّةِ، وَوَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّ الْإِيرَادَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْقَصْرَ فِي الْآيَةِ حَقِيقِيٌّ وَهُوَ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ إضَافِيٌّ

(قَوْلُهُ: كَمَا عَلَيْهِ الْمُخَاطَبُونَ) فِيهِ أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ لَا يَقُولُونَ بِالْوَحْيِ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِمْ يَقُولُونَ: إنَّهُ غَيْرُ مَقْصُورٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ تَنْزِيلِ الْمُنَكَّرِ مَنْزِلَةَ غَيْرِ الْمُنَكَّرِ إذَا كَانَ مَعَهُ مَا أَنَّ تَأَمُّلَهُ ارْتَدَعَ عَنْ إنْكَارِهِ وَلَمَّا تَقَوَّى ذَلِكَ بِالْبَرَاهِينِ صَارَ إنْكَارُهُمْ كَالْعَدَمِ

(قَوْلُهُ: وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ) أَيْ الزَّمَخْشَرِيِّ قَوْلُهُ {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} [محمد: ٣٦] فَالْقَصْرُ فِيهِ مِنْ قَصْرِ الْمَوْصُوفِ عَلَى الصِّفَةِ (قَوْلُهُ: أَرَادَ أَنَّ الدُّنْيَا) مَقُولُ الْقَوْلِ (قَوْلُهُ: فِي الْأَقْصَى الْقَرِيبِ) اسْمُ كِتَابٍ وَلَا تَنَافِي فِي كَوْنِهِ أَقْصَى وَقَرِيبًا إذْ الْأَوَّلُ بِاعْتِبَارِ اسْتِيعَابِ الْأَحْكَامِ وَالثَّانِي بِاعْتِبَارِ سُهُولَةِ الْمَأْخَذِ مِنْ الْعِبَارَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى مَصْدَرِيَّتِهَا) أَيْ عَلَى مُجَرَّدِ ذَلِكَ وَإِلَّا فَالْمَصْدَرِيَّةُ لَا تُنَافِي الْحَصْرَ (قَوْلُهُ: فِيمَا عَلِمْته) قَالَ ذَلِكَ تَحَرِّيًا لِلصِّدْقِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ أَبَا حَيَّانَ صَرَّحَ بِهِ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ تَصْرِيحُ الْمُتَقَدِّمِينَ

(قَوْلُهُ: اعْلَمُوا حَقَارَةَ الدُّنْيَا) هَذَا الْحَلُّ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَعْنَى وَلَا يَقْتَضِيهِ السَّبْكُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ خَبَرُ اسْمِ إنَّ جَامِدًا أُضِيفَ إلَيْهِ الْكَوْنُ فَيُقَالُ هُنَا اعْلَمُوا كَوْنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا إلَخْ (قَوْلُهُ: كَافٍ) إلَى أَنَّ الْحَصْرَ أَبْلَغُ

[مَسْأَلَةٌ مِنْ الْأَلْطَافِ حُدُوثُ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ]

(قَوْلُهُ: مَسْأَلَةٌ مِنْ الْأَلْطَافِ إلَخْ) :

هَذِهِ فِي الْحَقِيقَةِ تَرْجَمَةٌ لِمَسَائِلَ مُتَعَدِّدَةٍ (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى مَلْطُوفٍ) إنَّمَا أُوِّلَ الْمَصْدَرُ بِاسْمِ الْمَفْعُولِ لِيَصِحَّ الْإِخْبَارُ بِقَوْلِهِ حُدُودٌ إلَخْ

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا كَانَ الْمُنَاسِبُ إحْدَاثَ) ؛ لِأَنَّ اللَّطَفَ صِفَةُ فِعْلٍ أَوْ صِفَةُ ذَاتٍ بِمَعْنَى

<<  <  ج: ص:  >  >>