بِخِلَافِ الثَّانِي لِجَوَازِ كَوْنِ الْوَصْفِ أَعَمَّ. مِثَالُ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] فَحِلُّهُ مُسْتَلْزِمُ لِصِحَّتِهِ، وَالثَّانِي كَتَعْلِيلِ الرِّبَوِيَّاتِ بِالطَّعْمِ أَوْ غَيْرِهِ وَمِثَالُ النَّظِيرِ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ فَقَالَ: أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّك دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ أَكَانَ يُؤَدِّي ذَلِكَ عَنْهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ» أَيْ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي عَنْهَا سَأَلَتْهُ عَنْ دَيْنِ اللَّهِ عَلَى الْمَيِّتِ وَجَوَازِ قَضَائِهِ عَنْهُ فَذَكَرَ لَهَا دَيْنَ الْآدَمِيِّ عَلَيْهِ وَقَرَّرَهَا عَلَى جَوَازِ قَضَائِهِ عَنْهُ، وَهُمَا نَظِيرَانِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ جَوَازُ الْقَضَاءِ فِيهِمَا لِعِلِّيَّةِ الدَّيْنِ لَهُ لَكَانَ بَعِيدًا (وَلَا يُشْتَرَطُ) فِي الْإِيمَاءِ (مُنَاسَبَةُ) الْوَصْفِ (الْمُومَأِ إلَيْهِ) لِلْحُكْمِ (عِنْدَ الْأَكْثَرِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ بِمَعْنَى الْمُعَرَّفِ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بِمَعْنَى الْبَاعِثِ.
(الرَّابِعُ) مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ (السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ، وَهُوَ حَصْرُ الْأَوْصَافِ) الْمَوْجُودَةِ (فِي الْأَصْلِ) الْمَقِيسِ عَلَيْهِ (وَإِبْطَالُ مَا لَا يَصْلُحُ) مِنْهَا لِلْعِلِّيَّةِ (فَيَتَعَيَّنُ الْبَاقِي) لَهَا كَأَنْ يُحَصِّلَ أَوْصَافَ الْبُرِّ فِي قِيَاسِ الذُّرَةِ مَثَلًا عَلَيْهِ فِي الطَّعْمِ وَغَيْرِهِ وَيُبْطِلَ مَا عَدَا الطَّعْمِ بِطَرِيقِهِ فَيَتَعَيَّنُ الطَّعْمُ لِلْعِلِّيَّةِ. وَالسَّبْرُ لُغَةً الِاخْتِبَارُ
ــ
[حاشية العطار]
قَوْلُهُ: لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ أَعَمَّ) أَيْ مِنْ الْحُكْمِ فَلَا يَسْتَلْزِمُهُ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ بِدُونِهِ، تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الْعُمُومِ كَتَعْلِيلِ الرِّبَوِيَّاتِ بِالْكَيْلِ فَإِنَّهُ يُوجَدُ فِي الْجِنْسِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ رِبَوِيٍّ قَالَ النَّاصِرُ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ كَوْنُ الْحُكْمِ أَعَمَّ أَيْ مِنْ الْوَصْفِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَازِمٌ لِلْعِلَّةِ وَاللَّازِمُ إنَّمَا يَسْتَلْزِمُ مَلْزُومَهُ إذَا كَانَ اللَّازِمُ مُسَاوِيًا لَهُ أَوْ أَخَصَّ لَا أَعَمَّ.
وَأَجَابَ سم أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ أَيْ الْمُسْتَنْبَطُ بِنَاءً عَلَى خَطَأِ الْمُسْتَنْبِطِ فِي اسْتِنْبَاطِهِ لَيْسَ هُوَ الْوَصْفُ فِي الْوَاقِعِ بَلْ أَعَمُّ مِنْهُ فَيَكُونُ أَعَمَّ مِنْ الْحُكْمِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي الْوَصْفِ مَعَ الْحُكْمِ لَا فِي الْوَصْفَيْنِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَحِلُّهُ مُسْتَلْزِمٌ إلَخْ) حِلُّهُ هُوَ الْوَصْفُ الْمَلْفُوظُ فِي الْآيَةِ وَصِحَّتُهُ هُوَ الْحُكْمُ الْمُسْتَنْبَطُ مِنْهَا (قَوْلُهُ: وَمِثَالُ النَّظِيرِ) أَيْ وَمِثَالُ الْمَنْصُوصِ الَّذِي هُوَ النَّظِيرُ أَيْ نَظِيرُ الْوَصْفِ (قَوْلُهُ: سَأَلَتْهُ عَنْ دَيْنِ اللَّهِ إلَخْ) فَدَيْنُ الْآدَمِيِّ هُوَ الْوَصْفُ الْمَلْفُوظُ، وَنَظِيرُهُ دَيْنُ اللَّهِ وَالْحُكْمُ الَّذِي قَارَنَهُ دَيْنُ الْآدَمِيِّ هُوَ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي عَنْهَا قَالَ الْكَمَالُ، وَفِي الْمِثَالِ تَنْبِيهٌ أَيْضًا عَلَى أَرْكَانِ الْقِيَاسِ الْأَرْبَعَةِ فَالْأَصْلُ دَيْنُ الْعِبَادِ وَالْفَرْعُ دَيْنُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَالْحُكْمُ جَوَازُ الْقَضَاءِ وَعِلَّتُهُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا كَوْنُهُ دَيْنًا (قَوْلُهُ: لَكَانَ إلَخْ) أَيْ اقْتِرَانُ الْجَوَازِ بِالدَّيْنِ بَعِيدًا (قَوْلُهُ:، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِيمَاءِ مُنَاسَبَةُ الْوَصْفِ) هُوَ مَا اخْتَارَهُ الْبَيْضَاوِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ وَاعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ بِأَنَّهُ مُعَارِضٌ لِمَا سَبَقَ فِي شُرُوطِ الْعِلَّةِ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْإِلْحَاقِ بِهَا اشْتِمَالُهَا عَلَى حِكْمَةٍ تَبْعَثُ الْمُكَلَّفَ عَلَى الِامْتِثَالِ وَتَصْلُحُ شَاهِدًا لِإِنَاطَةِ الْحُكْمِ. اهـ.
وَالشِّهَابُ أَيْضًا بِأَنَّهُ سَبَقَ أَنَّ الْوَصْفَ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ فَكَيْفَ يَسْتَلْزِمُ مَعَ عَدَمِ الْمُنَاسَبَةِ وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُرَادَ لَا يُشْتَرَطُ مُنَاسَبَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ نَظِيرُ مَا مَرَّ مِنْ جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَى حِكْمَتِهِ اهـ.
وَفِي التَّلْوِيحِ نَقْلًا عَنْ الْآمِدِيِّ فِي الْإِحْكَامِ أَنَّ الْمُنَاسِبَ عِبَارَةٌ عَنْ وَصْفٍ ظَاهِرٍ مُنْضَبِطٍ يَلْزَمُ مِنْ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى وَفْقِهِ حُصُولُ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا مِنْ شَرْعِ ذَلِكَ الْحُكْمِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْصُودُ جَلْبَ مَنْفَعَةٍ أَوْ دَفْعَ مَفْسَدَةٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَرَتُّبِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْقَتْلِ حُصُولُ مَا هُوَ مَقْصُودٌ مِنْ شَرْعِيَّةِ الْقِصَاصِ، وَهُوَ مِنْ بَقَاءِ النُّفُوسِ عَلَى مَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: ١٧٩] .
[الرَّابِعُ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ]
(قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ السَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ بَعْدُ فَالتَّسْمِيَةُ بِمَجْمُوعِ الِاسْمَيْنِ ثُمَّ هَذَا تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ، وَإِلَّا فَالسَّبْرُ التَّتَبُّعُ (قَوْلُهُ وَإِبْطَالٌ) تَفْسِيرٌ لِلتَّقْسِيمِ (قَوْلُهُ: فَيَتَعَيَّنَ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الِاسْمِ الصَّرِيحِ فَيَكُونُ مِنْ تَتِمَّةِ التَّعْرِيفِ وَبِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ (قَوْلُهُ: وَالسَّبْرُ لُغَةً الِاخْتِبَارُ) فِيهِ تَسَامُحٌ إذْ حَقِيقَةُ السَّبْرِ التَّتَبُّعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute