فَالْفَارِقُ بَيْنَ السَّهْوِ وَالْعَمْدِ مُوَافِقٌ لِمَنْ لَمْ يُفَرِّقْ فِي بَعْضِ مَا قَالَهُ وَمِثَالُ التَّفْصِيلِ الْخَارِقُ مَا لَوْ قِيلَ بِتَوْرِيثِ الْعَمَّةِ دُونَ الْخَالَةِ أَوْ الْعَكْسُ، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي تَوْرِيثِهِمْ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ أَوْ فِي عَدَمِهِ كَوْنُهُمَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَتَوْرِيثُ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى خَارِقٌ لِلِاتِّفَاقِ، وَمِثَالُ التَّفْصِيلِ غَيْرِ الْخَارِقِ مَا قِيلَ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ دُونَ الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ وَعَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَقَدْ قِيلَ تَجِبُ فِيهِمَا وَقِيلَ لَا تَجِبُ فِيهِمَا فَالْمُفَصِّلُ مُوَافِقٌ لِمَنْ لَمْ يُفَصِّلْ فِي بَعْضِ مَا قَالَهُ.
(وَ) عُلِمَ مِنْ حُرْمَةِ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ (أَنَّهُ يَجُوزُ إحْدَاثُ دَلِيلٍ) لِحُكْمٍ أَيْ إظْهَارُهُ (أَوْ تَأْوِيلٍ) لِدَلِيلٍ لِيُوَافِقَ غَيْرَهُ (أَوْ عِلَّةٍ) لِحُكْمٍ غَيْرِ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الدَّلِيلِ وَالتَّأْوِيلِ وَالْعِلَّةِ لِجَوَازِ تَعَدُّدِ الْمَذْكُورَاتِ (إنْ لَمْ يَخْرِقْ) مَا ذُكِرَ مَا ذَكَرُوهُ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَقَهُ بِأَنْ قَالُوا لَا دَلِيلَ وَلَا تَأْوِيلَ وَلَا عِلَّةَ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَاهُ (وَقِيلَ لَا) يَجُوزُ إحْدَاثُ مَا ذُكِرَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَوَعَّدِ عَلَى اتِّبَاعِهِ فِي الْآيَةِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُتَوَعَّدَ عَلَيْهِ مَا خَالَفَ سَبِيلَهُمْ لَا مَا لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ كَمَا نَحْنُ فِيهِ.
(وَ) عُلِمَ مِنْ حُرْمَةِ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ الَّذِي مِنْ شَأْنِ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ أَنْ لَا يَخْرِقُوهُ
ــ
[حاشية العطار]
قَوْلُهُ: فَالْفَارِقُ بَيْنَ السَّهْوِ وَالْعَمْدِ إلَخْ) أَيْ فَلَمْ يُخْرَقْ الْإِجْمَاعُ لِعَدَمِ وُجُودِهِ مِنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَخْرِقَاهُ بَعْدَ وُجُودِهِ أَوْ لَمْ يَخْرِقَاهُ لِعَدَمِ وُجُودِهِ مِنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ السَّالِبَةَ تَصْدُقُ بِنَفْيِ الْمَوْضُوعِ
(قَوْلُهُ: وَمِثَالُ التَّفْصِيلِ الْخَارِقِ إلَخْ) فَعُلِمَ أَنَّ الْخَرْقَ قَدْ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْعِلَّةِ بِأَنْ تَتَّحِدَ عِلَّةُ الْخِلَافِ كَمَا فِي مِثَالِ التَّوْرِيثِ فَإِنَّ الْعِلَّةَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَاحِدَةٌ وَهِيَ كَوْنُهَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَاتِّحَادُهَا بِمَنْزِلَةِ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالْإِمَامُ فَصَارَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِمْ لَا تَفْصِلُوا بَيْنَهَا وَلَوْ قَالُوا ذَلِكَ امْتَنَعَ التَّفْصِيلُ بِلَا نِزَاعٍ اهـ. سم
فَعُلِمَ أَنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ هُنَا هُوَ الْعِلَّةُ (قَوْلُهُ: مَعَ اتِّفَاقِهِمْ إلَخْ) قَيَّدَ بِهِ دَفْعًا لِمَا عَسَى أَنْ يُقَالَ هَذَا التَّفْصِيلُ لَيْسَ خَارِقًا؛ لِأَنَّ الْمُفَصِّلَ مُوَافِقٌ لِمَنْ لَمْ يُفَصِّلْ فِي بَعْضِ مَا قَالَهُ (قَوْلُهُ: خَارِقٌ لِلِاتِّفَاقِ) أَيْ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُعَلِّلَ بِغَيْرِ مَا عَلَّلُوا بِهِ فَقَدْ خَرَقَ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْإِرْثِ أَوْ عَدَمِهِ كَوْنُهُمَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا يُقَالُ إنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ غَيْرُ خَارِقٍ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ التَّفْصِيلِ الَّذِي يَلِيهِ إذْ هُوَ أَخَذَ مِنْ كُلِّ قَوْلٍ طَرَفًا فَلَمْ يَكُنْ خَارِقًا وَحَاصِلُ الْجَوَابِ مَا سَبَقَ.
[حُرْمَةِ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ]
(قَوْلُهُ: وَعُلِمَ مِنْ حُرْمَةِ إلَخْ) لِأَنَّ الْمُرَادَ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى حُكْمٍ أَوْ دَلِيلٍ (قَوْلُهُ: إنَّهُ يَجُوزُ إحْدَاثُ دَلِيلٍ إلَخْ) كَأَنْ أُجْمِعَ عَلَى أَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى النِّيَّةِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: ٥] ، ثُمَّ قَالَ شَخْصٌ إنَّ الدَّلِيلَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَبَحَثَ فِيهِ سم بِأَنَّهُ لَا ارْتِبَاطَ بَيْنَ حُرْمَةِ الْخَرْقِ وَجَوَازِ الْإِحْدَاثِ الْمَذْكُورِ لِيَكُونَ الثَّانِي مَعْلُومًا مِنْ الْأَوَّلِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَحْرُمَ الْإِحْدَاثُ الْغَيْرُ الْخَارِقِ لِمَعْنًى يَقْتَضِي حُرْمَتَهُ، وَإِنْ كَانَ الْخَرْقُ حَرَامًا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ حُرْمَةِ الْخَرْقِ جَوَازُ مَا لَا خَرْقَ فِيهِ إلَّا لِمُقْتَضٍ آخَرَ وَلَا مُقْتَضِيَ هَاهُنَا فِي الْوَاقِعِ أَوْ بِالنَّظَرِ لِلْأَصْلِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَيْ إظْهَارُهُ) نَبَّهَ عَلَى أَنَّ الْمُحْدَثَ إظْهَارُ الدَّلِيلِ لَا الدَّلِيلُ نَفْسُهُ وَالْمُرَادُ إظْهَارُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ تَأْوِيلٍ) كَمَا إذَا قَالَ الْمُجْمِعُونَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ» أَنَّ تَأْوِيلَهُ عَدَمُ التَّهَاوُنِ بِالسَّبْعِ بِأَنْ يُنْقَصَ عَنْهَا فَلَوْ أَوَّلَهُ مَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ التُّرَابَ لَمَّا صَحِبَ السَّابِعَةَ صَارَ كَأَنَّهُ ثَامِنَةٌ كَانَ صَحِيحًا.
(قَوْلُهُ: أَوْ عِلَّةٍ) كَأَنْ جَعَلَ الْعِلَّةَ فِي الرِّبَا فِي الْبُرِّ الِافْتِيَاتَ وَجَعَلَ آخَرُونَ بَعْدَهُمْ الْعِلَّةَ الِادِّخَارَ فَهَذِهِ الْعِلَّةُ مُوَافِقَةٌ (قَوْلُهُ: غَيْرَ مَا ذَكَرُوهُ) يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ تَعَبُّدِيًّا فَيَظْهَرُ لَهُ عِلَّةٌ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُقَيَّدُ الْحُكْمُ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مَا ذَكَرُوهُ (قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْمُتَوَعَّدَ عَلَيْهِ إلَخْ) فَالتَّوَعُّدُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْعَدَمِ لَا عَلَى عَدَمِ الْقَوْلِ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ.
(قَوْلُهُ: الَّذِي مِنْ شَأْنِ الْأَئِمَّةِ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ اتَّفَقَ الْمُعْتَبَرُونَ عَلَى أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَمَقْصُودُ هَذَا التَّقْيِيدِ الِاحْتِرَازُ عَمَّا لَوْ اخْتَلَفَ الْمُعْتَبَرُونَ فِي كَوْنِهِ إجْمَاعًا كَالسُّكُوتِيِّ وَمَا نَدُرَ مُخَالِفُهُ؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّهُ لَيْسَ إجْمَاعًا مِنْ الْأَئِمَّةِ لَا يُبَالِي بِخَرْقِهِ وَلِأَنَّهُ عِنْدَهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ اهـ كَمَالٌ.
وَأَوْرَدَ أَنَّ قَوْلَهُ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ