للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(أَنَّهُ يَمْتَنِعُ ارْتِدَادُ الْأُمَّةِ) فِي عَصْرٍ (سَمْعًا) لِخَرْقِهِ إجْمَاعَ مَنْ قَبْلَهُمْ عَلَى وُجُوبِ اسْتِمْرَارِ الْإِيمَانِ، وَالْخَرْقُ يَصْدُقُ بِالْفِعْلِ وَالْقَوْلِ كَمَا يَصْدُقُ الْإِجْمَاعُ بِهِمَا (وَهُوَ) أَيْ امْتِنَاعُ ارْتِدَادِهِمْ سَمْعًا (الصَّحِيحُ) لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ» وَقِيلَ يَجُوزُ ارْتِدَادُهُمْ شَرْعًا كَمَا يَجُوزُ عَقْلًا وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ لِانْتِفَاءِ صِدْقِ الْأُمَّةِ وَقْتَ الِارْتِدَادِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَجْمَعُهُمْ عَلَى أَنْ يُوجَدَ مِنْهُمْ مَا يَضِلُّونَ بِهِ الصَّادِقَ بِالِارْتِدَادِ (لَا اتِّفَاقُهَا) أَيْ الْأُمَّةِ فِي عَصْرٍ (عَلَى جَهْلِ مَا) أَيْ شَيْءٍ (لَمْ يُكَلَّفْ بِهِ) بِأَنْ لَمْ تَعْلَمْهُ كَالتَّفْضِيلِ بَيْنَ عَمَّارٍ وَحُذَيْفَةَ فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ (عَلَى الْأَصَحِّ لِعَدَمِ الْخَطَأِ) فِيهِ وَقِيلَ يَمْتَنِعُ وَإِلَّا كَانَ الْجَهْلُ سَبِيلًا لَهَا فَيَجِبُ اتِّبَاعُهَا فِيهِ وَهُوَ بَاطِلٌ.

وَأُجِيبَ بِمَنْعِ أَنَّهُ سَبِيلٌ لَهَا

ــ

[حاشية العطار]

إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّ الِامْتِنَاعَ عَادِيٌّ؛ لِأَنَّ دَلِيلَهُ عَادِيٌّ وَالْمَأْخُوذُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الْمُقَابِلِ أَنَّهُ سَمْعِيٌّ وَهُوَ صَرِيحُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ سَمْعًا وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ إذْ الْمُرَادُ الشَّأْنُ الْمَأْخُوذُ مِنْ السَّمْعِ وَأَيْضًا كَوْنُ شَأْنِهِمْ ذَلِكَ لَا يُنَافِي الثُّبُوتَ بِالسَّمْعِ (قَوْلُهُ: وَالْخَرْقُ يَصْدُقُ بِالْفِعْلِ) دُفِعَ بِهِ مَا يُقَالُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِارْتِدَادِ خَرْقُ الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا بِخِلَافِ مَا قَالُوهُ (قَوْلُهُ: إنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ) أَيْ لَا يُهَيِّئُهُمْ لَهَا وَلَا يُقْدِرُهُمْ عَلَيْهَا لِيَنْتِجَ الِاسْتِحَالَةَ.

وَأَوْرَدَ هَذَا دَلِيلًا عَلَى امْتِنَاعِ ارْتِدَادِ جَمِيعِ الْأَئِمَّةِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْإِجْمَاعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ حُرْمَةَ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ دَلِيلٌ بِوَاسِطَةِ هَذَا الْحَدِيثِ فَصَارَ هُوَ الدَّلِيلُ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا لِلنَّاصِرِ هُنَا مِنْ الْبَحْثِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُرْمَةِ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ امْتِنَاعُ الِارْتِدَادِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَجُوزُ ارْتِدَادُهُمْ شَرْعًا) أَيْ لَيْسَ هُنَاكَ دَلِيلٌ عَلَى الِاسْتِحَالَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الرِّدَّةَ تَجُوزُ فِي الشَّرْعِ إذْ هِيَ مَمْنُوعَةٌ شَرْعًا (قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ صِدْقِ الْأُمَّةِ وَقْتَ إلَخْ) لِأَنَّهُمْ بِارْتِدَادِهِمْ خَرَجُوا عَنْ كَوْنِهِمْ أُمَّةً (قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ اسْمَ الْأُمَّةِ صَادِقٌ عَلَيْهِمْ قَبْلَ الِارْتِدَادِ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَقَعَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ اجْتِمَاعٌ عَلَى ضَلَالَةٍ وَالْحَدِيثُ يَنْفِيهِ اهـ زَكَرِيَّا

(قَوْلُهُ: عَلَى أَنْ يُوجَدَ إلَخْ) فِيهِ رَمْزٌ إلَى التَّأْوِيلِ السَّابِقِ فِي الْحَدِيثِ فَيُرَادُ هُنَا أَيْضًا (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَمْ نَعْلَمْهُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْجَهْلُ الْبَسِيطُ لَا الْمُرَكَّبُ (قَوْلُهُ: كَالتَّفْضِيلِ) الْمُرَادُ بِهِ التَّفَاضُلُ الَّذِي هُوَ أَثَرُهُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُعْلَمُ.

وَأَمَّا التَّفْضِيلُ فَلَا عِلْمَ بِهِ، ثُمَّ هُوَ تَنْظِيرٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِثَالٌ لِمَا لَمْ تُكَلَّفْ بِهِ (قَوْلُهُ: فَيَجِبُ اتِّبَاعُهَا فِيهِ) أَيْ بِآيَةِ {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ} [النساء: ١١٥] إلَخْ (قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ بِمَنْعِ إلَخْ)

<<  <  ج: ص:  >  >>