للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَفْهُومِ إنَّمَا وَالْغَايَةُ كَمَا سَيَأْتِي لِتَبَادُرِهِ إلَى الْأَذْهَانِ (ثُمَّ غَيْرُهُ) عَلَى التَّرْتِيبِ الْآتِي

(مَسْأَلَةُ الْمَفَاهِيمِ) الْمُخَالَفَةُ (إلَّا اللَّقَبَ حُجَّةً لُغَةً) لِقَوْلِ كَثِيرٍ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ بِهَا مِنْهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ وَعُبَيْدٌ تِلْمِيذُهُ قَالَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ

ــ

[حاشية العطار]

رَتَّبْته بَعْدَ هَذَا وَالشَّارِحُ دَفَعَهُ بِقَوْلِهِ صَرَاحَةً مُعَلِّلًا بِسُرْعَةِ التَّبَادُرِ فَلَيْسَ الْعِلَّةُ فِي تَقَدُّمِهِ عَلَى بَاقِي الْمَفَاهِيمِ مُجَرَّدُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مَنْطُوقٌ لِمُشَارَكَةِ مَا بَعْدَهُ لَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَصْلَ التَّبَادُرِ دُونَ هَذَا وَلِذَلِكَ حَذَفَ قَيْدَ السُّرْعَةِ فِيهِ قَالَ النَّاصِرُ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْحَقُّ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى بِإِلَّا مَذْكُورٌ فَهُوَ مَحَلُّ نُطْقٍ وَإِلَّا تَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ لَهُ فَقَدْ صَدَقَ عَلَى هَذَا الثُّبُوتُ أَنَّهُ مَعْنًى دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ إلَّا بَعْدَ النَّفْيِ مَوْضُوعَةٌ لِلْإِثْبَاتِ فَهُوَ مَنْطُوقٌ صَرِيحٌ اهـ.

وَإِيرَادُ سم أَنَّ الْمَنْطُوقَ بِالْإِشَارَةِ مِنْ أَقْسَامِ الْمَنْطُوقِ غَيْرِ الصَّرِيحِ وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِيمَا سَبَقَ لِانْقِسَامِ الْمَنْطُوقِ إلَى صَرِيحٍ وَغَيْرِ صَرِيحٍ وَانْقِسَامُ غَيْرِ الصَّرِيحِ إلَى إشَارَةٍ وَغَيْرِهِ فَكَيْفَ تَصِحُّ هَذِهِ الْحَوَالَةُ مِنْهُ اهـ.

مَبْنِيٌّ عَلَى مَا أَسْلَفَهُ سَابِقًا فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ الْمَنْطُوقُ إنْ تَوَقَّفَ الصِّدْقُ أَوْ الصِّحَّةُ إلَخْ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَا فِيهِ هُنَاكَ بِمَا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا هُنَا

(قَوْلُهُ: كَمَفْهُومِ إنَّمَا وَالْغَايَةُ) أَمَّا كَوْنُ مَفْهُومِ إنَّمَا مَنْطُوقًا فَلِأَنَّ قَوْلَك إنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ أَوْ إنَّمَا الْقَائِمُ زَيْدٌ مَعْنَاهُ لَا قَاعِدًا وَلَا عَمْرُو فَمَحَلُّ النُّطْقِ فِي الْأَوَّلِ زَيْدٌ وَفِي الثَّانِي الْقَائِمُ وَالْمَنْفِيُّ حَالٌ مِنْ أَحْوَالِهِ فَيَكُونُ الْمَنْفِيُّ مَنْطُوقًا؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ ثُمَّ هَذَا النَّفْيُ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لَهُ اللَّفْظُ بَلْ لَازِمٌ عَنْ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَيَكُونُ غَيْرَ صَرِيحٍ ثُمَّ هُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِلْمُتَكَلِّمِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصِّدْقُ وَلَا الصِّحَّةُ فَيَكُونُ إشَارَةً، وَأَمَّا الْغَايَةُ، فَإِنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِحُكْمِ الْغَيْرِ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْحُكْمُ يَنْقَطِعُ بِالْغَايَةِ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ ثُبُوتُ خِلَافِهِ

(قَوْلُهُ: كَمَا سَيَأْتِي) أَيْ فِي تَرْتِيبِ الْمَفَاهِيمِ

(قَوْلُهُ: لِتَبَادُرِهِ إلَى الْأَذْهَانِ) حَذَفَ لَفْظَ سُرْعَةٍ مِنْهُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّرَاحَةِ السَّابِقَةِ وَبَقِيَ مَا يُفِيدُهُ الْحَصْرُ كَالْمَذْكُورَاتِ تَعْرِيفِ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ نَحْوُ صَدِيقِي زَيْدٌ وَزَيْدٌ الْعَالِمُ

(قَوْلُهُ: كَمَا سَيَأْتِي) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ تَرْتِيبِ الْمَفَاهِيمِ

[مَسْأَلَةُ الْمَفَاهِيمِ الْمُخَالَفَةُ إلَّا اللَّقَبَ حُجَّةً لُغَةً]

(قَوْلُهُ: إلَّا اللَّقَبَ) قَضِيَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّهُ مَفْهُومٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ مَفْهُومٌ قَائِلٌ بِحُجَّتِهِ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَفْهُومٍ فَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَفَاهِيمُ مِنْ حَيْثُ هِيَ فَهُوَ مُتَّصِلٌ

(قَوْلُهُ: الْمُخَالِفَةِ) بِكَسْرِ اللَّامِ، فَإِنَّهُ تُكْسَرُ حَيْثُ وَقَعَ صِفَةً كَمَا هُنَا وَحَيْثُ أُطْلِقَ عَلَى الْمَفْهُومِ أَوْ أُضِيفَ إلَيْهِ كَقَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ، وَإِنْ خَالَفَ فَمُخَالَفَةٌ إلَخْ وَهُوَ صِفَةٌ إلَخْ فُتِحَتْ وَإِنَّمَا لَمْ تُجْمَعْ؛ لِأَنَّ الْمَفَاهِيمَ جَمْعُ كَثْرَةٍ لِغَيْرِ الْعَاقِلِ وَسَيَأْتِي مُحْتَرَزُ الْمُخَالَفَةِ آخِرَ الْمَسْأَلَةِ (قَوْلُهُ: حُجَّةً لُغَةً) أَيْ مِنْ حَيْثُ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ حُجَّةٌ شَرْعًا بِدَلِيلِ اللُّغَةِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَقِيلَ حُجَّةً شَرْعًا أَيْ بِدَلِيلِ الشَّرْعِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى الْحُجِّيَّةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِهِ اخْتَلَفُوا هَلْ نَفْيُ الْحُكْمِ فِيهِ عَمَّا عَدَا الْمَنْطُوقَ بِهِ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ أَيْ لَيْسَ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ الشَّرْعِيَّةِ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى أَصْلِهِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ بِتَصَرُّفٍ مِنْهُ زَائِدٌ عَلَى وَضْعِ اللُّغَةِ أَوْ مِنْ قَبِيلِ الْمَعْنَى أَيْ الْعُرْفِ الْعَامِّ فَعُلِمَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي مَأْخَذِ الْحُجِّيَّةِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ النَّاصِرِ لَا يَصِحُّ إخْرَاجُ الشَّارِحِ الْمَفَاهِيمَ الْمُوَافِقَةَ عَنْ عُمُومِ الْمَفَاهِيمِ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ اللَّفْظِ عَلَيْهَا مُخْتَلِفٌ فِيهِ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي طَرِيقِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ قَوْلَهُ حُجَّةً لُغَةً أَيْ مَدْلُولَةَ اللَّفْظِ فَتَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ: أَبُو عُبَيْدَةَ) بِالتَّثْنِيَةِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى وَأَبُو عُبَيْدٍ هُوَ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ وَالْأَوَّلُ شَيْخُ الثَّانِي وَكِلَاهُمَا مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِنَقْلِهِ فِي اللُّغَةِ كَالْأَصْمَعِيِّ وَالْخَلِيلِ وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ مُخَالَفَةُ الْأَخْفَشِ إنْ صَحَّتْ؛ لِأَنَّهُ أَصْغَرُ مِنْهَا خُصُوصًا.

وَقَدْ وَافَقَهُمَا إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ فِي الْبُرْهَانِ صَارَ إلَى الْقَوْلِ بِالْمَفْهُومِ أَئِمَّةُ الْعَرَبِيَّةِ مِنْهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ وَهُوَ إمَامٌ غَيْرُ مُدَافِعٍ وَلَئِنْ سَاغَ الِاحْتِجَاجُ بِقَوْلٍ عَرَبِيٍّ جِلْفٍ مِنْ الْأَفْجَاجِ فَقَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَوْلَى ثُمَّ ذَكَرَ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ ثُمَّ قَالَ وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ.

وَقَدْ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ الْأَصْمَعِيُّ وَصَحَّحَ عَلَيْهِ دَوَاوِينَ الْهُذَلِيِّينَ وَهَذَا الْمَسْلَكُ فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ قَدْ يَحْكُمُونَ عَلَى اللِّسَانِ عَنْ نَظَرٍ وَاسْتِنْبَاطٍ وَهُمْ فِي مَسَالِكِهِمْ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ مُطَالَبُونَ بِالدَّلِيلِ، وَالْأَعْرَابِيُّ يُنْطِقُهُ طَبْعُهُ فَيَقَعُ التَّمَسُّكُ بِمَنْظُومِهِ وَمَنْثُورِهِ وَلَا يَعْدَمُ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِهَذَا الطَّرِيقِ الْمُعَارَضَةَ وَقُصَارَى الْكَلَامِ تَجَاذُبٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>