للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَثَلًا «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَطْلَ غَيْرِ الْغَنِيِّ لَيْسَ بِظُلْمٍ وَهُمْ إنَّمَا يَقُولُونَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مَا يَعْرِفُونَهُ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ (وَقِيلَ) حُجَّةً (شَرْعًا) لِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ مِنْ مَوَارِدِ كَلَامِ الشَّارِعِ.

وَقَدْ فُهِمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْله تَعَالَى {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: ٨٠] أَنَّ حُكْمَ مَا زَادَ عَلَى السَّبْعِينَ بِخِلَافِ حُكْمِهِ حَيْثُ قَالَ كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ «خَبَّرَنِي اللَّهُ وَسَأَزِيدُهُ عَلَى السَّبْعِينَ» .

(وَقِيلَ) حُجَّةً (مَعْنًى) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْفِ الْمَذْكُورَ

ــ

[حاشية العطار]

وَنِزَاعٌ وَاعْتِصَامٌ بِنَفْسِ الْمَذْهَبِ

(قَوْلُهُ: مَثَلًا) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُمَا قَالَا بِذَلِكَ فِي غَيْرِهِ أَيْضًا فَفِي الْبُرْهَانِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا حَتَّى يَرِيهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا» أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى تَوْبِيخِ مَنْ لَمْ يَعْتَنِ بِغَيْرِ الشِّعْرِ فَأَمَّا مَنْ جَمَعَ إلَى عُلُومِهِ عِلْمَ الشِّعْرِ فَلَا يُلَامُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَهُمْ إنَّمَا يَقُولُونَ إلَخْ) دَفَعَ بِهَذَا مَا يُقَالُ لَا نُسَلِّمُ فَهْمَهُمَا ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَاهُ بِالِاجْتِهَادِ فِي الْمَبَاحِثِ الشَّرْعِيَّةِ فَهُوَ حُجَّةٌ شَرْعًا لَا لُغَةً

(قَوْلُهُ: مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ) أَيْ لُغَتِهِمْ (قَوْلُهُ: لِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الدَّلَالَةُ شَرْعِيَّةً لَا مَكَانَ أَنْ يَكُونَ وُرُودُهُ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ لِمُوَافَقَتِهِ لُغَةَ الْعَرَبِ وَكَلَامُ الشَّارِعِ عَرَبِيٌّ وَلَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ فَهْمِ الشَّارِعِ فِي الْآيَةِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ شَرْعِيًّا بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتَنَدَ فِي ذَلِكَ لِدَلَالَةِ اللَّفْظِ وَاللَّفْظُ عَرَبِيٌّ وَإِثْبَاتُ كَوْنِهِ شَرْعِيًّا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى مَدْلُولِ اللَّفْظِ وَدُونَهُ خَرْطُ الْقَتَادِ. وَالْمَوَارِدُ جَمْعُ مَوْرِدٍ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ أَوْ بَاقٍ عَلَى مَصْدَرِيَّتِهِ مُرَادًا مِنْهُ الْمَكَانُ

(قَوْلُهُ: وَقَدْ فَهِمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمُثْبِتُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [التوبة: ٨٠] الْآيَةَ قِيلَ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَأَزِيدَنَّ عَلَى السَّبْعِينَ» قُلْنَا: هَذَا لَمْ يُصَحِّحْهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ أَوَّلًا، وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي مِنْ شَدَا طَرَفًا مِنْ الْعَرَبِيَّةِ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَجْرِ عَلَى تَحْدِيدِ الْعَدَدِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهِ يُخَالِفُهُ وَإِنَّمَا جَرَى ذَلِكَ مُؤَيِّسًا مِنْ مَغْفِرَةِ الْمَذْكُورِينَ، وَإِنْ اسْتَغْفَرَ لَهُمْ مَا يَزِيدُ عَلَى السَّبْعِينَ فَكَيْفَ يَخْفَى مُدْرِكٌ هَذَا وَهُوَ مَقْطُوعٌ بِهِ عَلَى مَنْ هُوَ أَفْصَحُ مِنْ نَطَقَ بِالضَّادِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ.

وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ إنَّ مَا نُقِلَ فِي الِاسْتِغْفَارِ كَذِبٌ قَطْعًا إذْ الْغَرَضُ مِنْهُ التَّنَاهِي فِي تَحْقِيقِ الْيَأْسِ مِنْ الْمَغْفِرَةِ فَكَيْفَ يُظَنُّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذُهُولٌ عَنْهُ (قَوْلُهُ: حَيْثُ قَالَ) حَيْثِيَّةُ تَعْلِيلٍ

(قَوْلُهُ: وَسَأَزِيدُهُ) أَيْ الِاسْتِغْفَارَ، وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ بِمُقْتَضَى رَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، فَإِنَّهُ رَحْمَةٌ لِلْعَالَمِينَ وَتَأْلِيفًا لِلْقُلُوبِ؛ لِأَنَّهُ الدَّاعِي إلَى اللَّهِ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دَاعِيًا ضَاقَ صَدْرُهُ عَنْ تَحَمُّلٍ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مَعْنًى مَنْصُوبٌ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ لَا عَلَى التَّمْيِيزِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَعْنَى هُوَ الْحُجَّةُ مَعَ أَنَّ الْحُجَّةَ هُوَ الْمَفْهُومُ قَالَهُ النَّاصِرُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْفَاعِلِ لَا الْفَاعِلِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَنَّهُ) ضَمِيرٌ هُوَ لِلْمَعْنَى وَضَمِيرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>