مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ فَجَزَمُوا بِالرُّجُوعِ فَعَزَمَ عَلَيْهِ عَمْرٌو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثُمَّ جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَقَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (أَمَّا وِفَاقُ الشَّافِعِيِّ زَيْدًا فِي الْفَرَائِضِ) حَتَّى تَرَدَّدَ حَيْثُ تَرَدَّدَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ زَيْدٍ (فَلِدَلِيلٍ لَا تَقْلِيدًا) بِأَنْ وَافَقَ اجْتِهَادَهُ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْلَمُ أُمَّتِي بِالْفَرَائِضِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَكَذَا الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ
(مَسْأَلَةُ الْإِلْهَامِ إيقَاعُ شَيْءٍ فِي الْقَلْبِ يَثْلُجُ) بِضَمِّ اللَّامِ وَحُكِيَ فَتْحُهَا أَيْ يَطْمَئِنُّ (لَهُ الصَّدْرُ يَخُصُّ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى بَعْضَ أَصْفِيَائِهِ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ لِعَدَمِ ثِقَةِ مَنْ لَيْسَ مَعْصُومًا بِخَوَاطِرِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مِنْ دَسِيسَةِ الشَّيْطَانِ فِيهَا خِلَافًا لِبَعْضِ الصُّوفِيَّةِ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ أَمَّا الْمَعْصُومُ كَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ غَيْرِهِ إذَا تَعَلَّقَ بِهِمْ كَالْوَحْيِ
(خَاتِمَةٌ: قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ مَبْنَى الْفِقْهِ عَلَى) أَرْبَعَةِ أُمُورٍ (أَنَّ الْيَقِينَ لَا يُرْفَعُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ اسْتِصْحَابُهُ (بِالشَّكِّ) وَمِنْ مَسَائِلِهِ مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ يَأْخُذُ بِالطَّهَارَةِ (وَ) أَنَّ (الضَّرَرَ يُزَالُ) وَمِنْ مَسَائِلِهِ وُجُوبُ رَدِّ الْمَغْصُوبِ وَضَمَانِهِ بِالتَّلَفِ (وَ) أَنَّ (الْمَشَقَّةَ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ) وَمَسَائِلُهُ جَوَازُ الْقَصْرِ وَالْجَمْعِ وَالْفِطْرِ فِي السَّفَرِ بِشَرْطِهِ
ــ
[حاشية العطار]
كُلٍّ مِنْهُمْ حُجَّةٌ مِنْ غَيْرِ انْضِمَامِ قَوْلِ غَيْرِهِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: مَشْيَخَةِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الشَّيْنِ وَفَتْحِ الْيَاءِ كَمُتَرَتِّبَةٍ مِنْ جُمْلَةِ جُمُوعِ شَيْخٍ (قَوْلُهُ: أَمَّا وِفَاقُ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ خَالِدٌ وَلَمَّا كَانَ هَاهُنَا مَظِنَّةَ سُؤَالٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْأَرْجَحَ مِنْ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْجَدِيدِ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ لَيْسَ حُجَّةً فَكَيْفَ احْتَجَّ بِقَوْلِ زَيْدٍ وَقَلَّدَهُ الْفَرَائِضَ أَشَارَ إلَى جَوَابِهِ بِقَوْلِهِ أَمَّا وِفَاقُ إلَخْ (قَوْلُهُ: لَا تَقْلِيدًا) أَيْ فِي السِّيَاقِ وَالِاحْتِجَاجِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى السِّيَاقِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) الْمَقْصُودُ مِنْهُ مُجَرَّدُ الثَّنَاءِ عَلَى زَيْدٍ إذْ لَا شَاهِدَ فِيهِ عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ
[مَسْأَلَةُ الْإِلْهَامِ]
(قَوْله يَثْلُجُ لَهُ الصَّدْرُ) أَيْ يَطْمَئِنُّ شَبَّهَ حَالَةَ اطْمِئْنَانِ الْقَلْبِ بِالْوَارِدَاتِ الرَّبَّانِيَّةِ وَسُكُونَ شُبْهَتِهِ بِحَالَةِ سُكُونِ حَرَارَةِ الْقِدْرِ الْحَاصِلَةِ بِإِصَابَةِ بَرْدِ الثَّلْجِ لَهُ وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالثَّلْجِ فَأَطْلَقَ عَلَيْهَا لَفْظَهَا فَفِي الْكَلَامِ اسْتِعَارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ تَبَعِيَّةٌ قَالَهُ النَّجَّارِيُّ (قَوْلُهُ: بِضَمِّ اللَّامِ إلَخْ) فَهُوَ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ بَابِ دَخَلَ وَعَلَى الثَّانِي مِنْ بَابِ طَرِبَ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ) اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: ٢] وَبِقَوْلِهِ {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ} [الغاشية: ١٧] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ الْآمِرَةِ بِالِاسْتِدْلَالِ وَلَمْ يَقَعْ الْأَمْرُ فِي الْأَحْكَامِ وَالْعَقَائِدِ بِالرُّجُوعِ إلَى الْقَلْبِ اهـ.
(قَوْلُهُ: فِي حَقِّهِ) أَيْ فِي حَقِّ الْمُلْهَمِ دُونَ غَيْرِهِ بِذَلِكَ صَرَّحَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ السُّهْرَوَرْدِيّ وَمَالَ إلَيْهِ التَّفْتَازَانِيُّ فِي بَعْضِ مُصَنَّفَاتِهِ وَالْحَقُّ كَمَا قَالَ صَاحِبُ مَتْنِ الْعَقَائِدِ النَّسَفِيَّةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَسْبَابَ الْعِلْمِ، وَالْإِلْهَامُ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ الْمَعْرِفَةِ فَالْمَرْجُوعُ إلَيْهِ فِي الْأَحْكَامِ هُوَ الشَّرْعُ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَيَقْرَبُ مِنْ الْإِلْهَامِ رُؤْيَا الْمَنَامِ فَمَنْ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَوْمِهِ يَأْمُرُهُ بِشَيْءٍ أَوْ يَنْهَاهُ عَنْهُ لَا يَجُوزُ اعْتِمَادُهُ مَعَ أَنَّ مَنْ رَآهُ فَقَدْ رَآهُ حَقًّا لِعَدَمِ ضَبْطِ الرَّائِي اهـ
[خَاتِمَةٌ مَبْنَى الْفِقْهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أُمُورٍ]
(قَوْلُهُ: خَاتِمَةٌ) أَيْ فِي قَوَاعِدَ ثَبَتَ مَضْمُونُهَا بِالدَّلِيلِ فَشَبَّهَ ارْتِبَاطَ جُزْئِيَّاتِهَا بِهَا فِي تَعَرُّفِ حُكْمِهَا مِنْهَا بِارْتِبَاطِ الْمَدْلُولِ بِالدَّلِيلِ فِي تَعَرُّفِ حُكْمِهِ مِنْهُ فَنَاسَبَ لِذَلِكَ إيرَادُهَا خَاتِمَةً لِلْكَلَامِ فِي الْأَدِلَّةِ (قَوْلُهُ: مَبْنَى الْفِقْهِ) أَيْ وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ أَوْ أَنَّ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْأَغْلَبِ وَإِلَّا فَهِيَ تَزِيدُ عَلَى مَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: الْيَقِينُ لَا يُرْفَعُ بِالشَّكِّ) أَيْ مُطْلَقِ التَّرَدُّدِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا فَلَا يَنْصَرِفْ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ اسْتِصْحَابُهُ) أَيْ اسْتِصْحَابُ حُكْمِهِ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ فَلَا يُعْقَلُ اجْتِمَاعُهُ مَعَ الشَّكِّ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ لَا يَرْفَعُهُ حَتَّى يَبْقَى (قَوْلُهُ: وَأَنَّ الْمَشَقَّةَ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَشْبَاهِ وَإِنْ ثَبَتَ قُلْت إذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ وَقَدْ عَزَا الْخَطَّابِيُّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ إلَى الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عِنْدَ كَلَامِهِ عَلَى الذُّبَابِ يَقَعُ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ وَيَقْرَبُ مِنْهَا الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ وَمِنْ ثَمَّ التَّيَمُّمُ وَالْمَسْحُ وَصَلَاةُ الْمُتَنَفِّلِ قَاعِدًا وَالرُّخَصُ إسْقَاطًا وَتَخْفِيفًا.
(قَوْلُهُ: مِنْ مَسَائِلِهِ جَوَازُ الْقَصْرِ إلَخْ)