للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(مَسْأَلَةٌ) :

الْفِعْلُ (الْمَقْدُورُ) لِلْمُكَلَّفِ (الَّذِي لَا يَتِمُّ) أَيْ لَا يُوجَدُ (الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ إلَّا بِهِ وَاجِبٌ) بِوُجُوبِ الْوَاجِبِ

ــ

[حاشية العطار]

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْمَلُوا عَمَلًا فِي وَقْتِ كَذَا وَصَلُّوا صَلَاةَ كَذَا إلَى حِينِ كَذَا، إلَّا أَنَّ هَذَا الزَّمَانَ الْمَحْدُودَ هُوَ الَّذِي أُمِرْنَا فِيهِ بِالْعَمَلِ الْمَذْكُورِ فَنَقُولُ حِينَئِذٍ لِلْمُخَالِفِ: إنَّ مَعْنَى خُرُوجِ الْوَقْتِ انْقِضَاءُ زَمَنِ الْعَمَلِ فَإِذَا ذَهَبَ زَمَانُ الْعَمَلِ فَلَا سَبِيلَ إلَى الْعَمَلِ إذْ لَا يُسْتَشْكَلُ فِي الْعُقُولِ كَوْنُ شَيْءٍ فِي غَيْرِ زَمَانِهِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى زَمَانًا لَهُ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ زَمَنًا غَيْرَهُ.

فَإِنْ قَالَ الْمُخَالِفُ: كُلُّ وَقْتٍ فَهُوَ لِذَلِكَ الْعَمَلِ وَقْتٌ فَقَدْ أَبْطَلَ حُكْمَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِّهِمَا الْوَقْتَ وَتَعَدَّى حُدُودَهُمَا فَصَحَّ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ مَنْ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَدَاءِ عَمَلٍ مَا فِي وَقْتٍ مَا فَعَمِلَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَإِنَّمَا عَمِلَ عَمَلًا لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ، وَمَنْ أَمَرَهُ بِعَمَلِهِ فَقَدْ شَرَعَ شَرِيعَةً لَمْ يَأْذَنْ بِهَا اللَّهُ تَعَالَى بَلْ قَدْ نَهَى عَنْهَا إذْ قَدْ نَهَى عَنْ تَعَدِّي حُدُودِهِ.

وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ تَعَلُّقِ الْأَمْرِ بِالْأَزْمَانِ وَبَيْنَ تَعَلُّقِهِ بِالْأَعْيَانِ أَوْ بِمَكَانٍ دُونَ مَكَان، فَإِنْ قَالُوا فَبِأَيِّ شَيْءٍ تَأْمُرُونَ مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ صَلَاةٍ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا وَتَعَمَّدَ تَرْكَ صَوْمِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنْ سَفَرٍ وَمَرَضٍ وَنَحْوِهِمَا قُلْنَا لَهُمْ: نَأْمُرُهُمْ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ رَبُّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ إذْ يَقُولُ {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: ١١٤] وَبِمَا يَقُولُ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ يَقُولُ مَنْ فَرَّطَ فِي صَلَاةِ فَرْضٍ جُبِرَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ تَطَوُّعِهِ.

وَكَذَلِكَ الزَّكَاةُ وَسَائِرُ الْأَعْمَالِ فَنَأْمُرُهُ بِالتَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالْإِكْثَارِ مِنْ التَّطَوُّعِ لِيَثْقُلَ مِيزَانُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَسُدَّ مَا ثَلَمَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ نَأْمُرَهُ بِأَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً يَنْوِي بِهَا ظُهْرًا لَمْ يَأْمُرْهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ أَوْ عَصْرًا لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ أَوْ نَأْمُرُهُ بِصِيَامِ يَوْمٍ عَلَى أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ مِنْ غَيْرِ رَمَضَانَ فَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ سَأَلُونَا بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي نَاسِي الصَّلَاةِ وَالنَّائِمِ عَنْهَا وَالْمُفْطِرِ بِسَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ قُلْنَا لَهُمْ: قَدْ أَدَّى مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ كَمَا أَمَرَهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَمَرَهُ وَلَا نَدْرِي أَقُبِلَ مِنْهُ أَمْ لَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ فِي وَقْتِهِ وَلَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ عَلَى عَامِدِ الْإِفْطَارِ لَقُلْنَا بِهِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ إنَّمَا رَوَاهُ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ وَمَنْ هُوَ مِثْلُهُ فِي الضَّعْفِ اهـ.

وَفِي الْمَنْخُولِ لِلْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ نَحْوُهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ لَا يَتَلَقَّى مِنْهُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ عِنْدَ فَوَاتِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ لَا يَهْتَدِي إلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَاللَّفْظُ لَمْ يَتَنَاوَلْ إلَّا صَلَاةً فِي وَقْتٍ، وَقَدْ فَاتَ فَلَا تَدَارُكَ لَهُ، فَإِنْشَاؤُهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ صَلَاةً أُخْرَى كَإِنْشَاءِ الْعِبَادَةِ فِي مَكَان آخَرَ إذَا تَعَذَّرَ أَدَاؤُهَا بِالْمَكَانِ الْمَأْمُورِ بِفِعْلِهَا فِيهِ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ مُبْتَدَأٍ فِي الشَّرِيعَةِ أَوْ بِقِيَاسٍ مُقْتَضِبٍ مِنْ أَصْلٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ خِلَافًا لِلْفُقَهَاءِ حَيْثُ قَالُوا: يَجِبُ الْقَضَاءُ بِمُطْلَقِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ بِالْأَدَاءِ اهـ.

[مَسْأَلَةٌ الْفِعْلُ الْمَقْدُورُ لِلْمُكَلَّفِ الَّذِي لَا يُوجَدُ الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ إلَّا بِهِ]

(قَوْلُهُ: الْفِعْلِ الْمَقْدُورِ) أَيْ الْمُكْتَسِبِ كَالْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ مَثَلًا أَوْ الْإِحْرَاقِ لِمُمَاسَّةِ النَّارِ كَمَا يَأْتِي.

(قَوْلُهُ: أَيْ لَا يُوجَدُ) أَيْ لَا تُوجَدُ صُورَتُهُ فِي الْخَارِجِ، وَأَشَارَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ يُتِمُّ أَيْ يُكْمِلُ.

(قَوْلُهُ: الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ) أَيْ الْمُطْلَقُ وُجُوبُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْمَقْدُورِ، وَإِنْ تَقَيَّدَ بِغَيْرِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: ٧٨] الْآيَةَ، فَإِنَّ وُجُوبَ الصَّلَاةِ مُقَيَّدٌ بِالدُّلُوكِ لَا بِالْوُضُوءِ وَالتَّوَجُّهِ لِلْقِبْلَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَكَذَلِكَ الزَّكَاةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى تَحْصِيلِ النِّصَابِ وَاجِبٌ مُقَيَّدٌ فَلَا يَجِبُ وَإِلَى نَفْسِهِ وَأَفْرَادِهِ مُطْلَقٌ فَيَجِبُ قَالَ السَّيِّدُ الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ هُوَ مَا لَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُهُ عَلَى مُقَدِّمَةِ وُجُودِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ قَيْدَا الْحَيْثِيَّةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا مُطْلَقًا بِالْقِيَاسِ إلَى مُقَدِّمَةٍ وَمُقَيَّدًا بِالنِّسْبَةِ إلَى أُخْرَى، فَإِنَّ الصَّلَاةَ بَلْ التَّكَالِيفُ بِأَسْرِهَا مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ فَهِيَ بِالْقِيَاسِ إلَيْهَا مُقَيَّدَةٌ.

وَأَمَّا بِالْقِيَاسِ إلَى الطَّهَارَةِ فَوَاجِبَةٌ مُطْلَقًا وَبِالْجُمْلَةِ الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ أَمْرَانِ إضَافِيَّانِ وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْحَيْثِيَّةِ فِي حُدُودِ الْأَشْيَاءِ الْإِضَافِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: إلَّا بِهِ) أَيْ لَا يُوجَدُ مَعَ عَدَمِهِ، وَإِنْ تَوَقَّفَ وُجُودُهُ عَلَى غَيْرِهِ أَيْضًا فَالْقَصْرُ فِي قَوْلِهِ إلَّا بِهِ إضَافِيٌّ أَيْ بِالْإِضَافَةِ إلَى عَدَمِ ذَلِكَ الشَّيْءِ لَا مُطْلَقًا اهـ. نَاصِرٌ.

(قَوْلُهُ: وَاجِبٌ بِوُجُوبِ الْوَاجِبِ) تَحْرِيرٌ لِمَحَلِّ النِّزَاعِ وَهُوَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ هَلْ يَكُونُ أَمْرًا بِشَرْطِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>