للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ آخِرِ سِنِي الْإِمْكَانِ لِجَوَازِ التَّأْخِيرِ إلَيْهَا، وَقِيلَ مِنْ أَوَّلِهَا لِاسْتِقْرَارِ الْوُجُوبِ حِينَئِذٍ، وَقِيلَ غَيْرُ مُسْتَنِدٍ إلَى سَنَةٍ بِعَيْنِهَا.

ــ

[حاشية العطار]

وَعِصْيَانُهُ فِي الْحَجِّ) أَيْ لَا يَتَبَيَّنُ عِصْيَانُهُ إلَّا بِذَلِكَ، وَقَدْ اقْتَصَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ حَيْثُ قَالَ فَأَمَّا الْأَمْرُ الْمُسْتَرْسِلُ عَلَى الْعُمْرِ فَاَلَّذِي أَرَاهُ فِيهِ أَنَّ مِنْ آخِرِهِ لَا يَقْطَعُ الْقَوْلَ فِيهِ بِنَفْيِ الْإِثْمِ عَنْهُ وَلَا يُطْلَقُ ذَلِكَ إلَّا مَشْرُوطًا فَعَلَى هَذَا أَدَاءُ الْحَجِّ وَاجِبٌ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ مِنْ أَوَّلِ سَنَةِ الِاسْتِطَاعَةِ وَعَلَيْهِ لَوْ أَخَّرَ الْحَظْرَ فِي التَّعَرُّضِ لِلْمَأْثَمِ وَالْخَوْفُ فِي نَفْسِهِ أَلَمٌ نَاجِزٌ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ انْبَسَطَتْ الْمَعْصِيَةُ عَلَى جَمِيعِ سِنِي الْإِمْكَانِ اهـ.

وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ مَا لَوْ قَضَى بِشَهَادَتِهِ بَيْنَ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةِ مِنْ سِنِي الْإِمْكَانِ، فَإِنْ حَكَمَ بِعِصْيَانِهِ مِنْ الْأَخِيرَةِ لَمْ يُنْتَقَضْ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِحَالٍ، وَإِنْ عَصَيْنَاهُ مِنْ الْأُولَى فَفِي نَقْضِهِ الْقَوْلَانِ فِيمَا إذَا بَانَ فِسْقُ الشَّاهِدَيْنِ.

(قَوْلُهُ: مِنْ آخِرِ سِنِي الْإِمْكَانِ) أَيْ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ الَّذِي لَوْ أَخَّرَهُ عَنْهُ لَمْ يَسَعْهُ مِنْ آخِرِهَا اهـ. زَكَرِيَّا

وَآخِرُ وَصْفٍ لِعَامٍ مُقَدَّرٍ أَيْ مِنْ عَامِ آخِرِ سِنِي الْإِمْكَانِ وَلَوْ كَانَ وَصْفًا لِسَنَةٍ لَقَالَ أُخْرَى وَسِنِي الْإِمْكَانِ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ لَا بِتَشْدِيدِهَا؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ سِنِينَ حُذِفَتْ النُّونُ لِلْإِضَافَةِ.

(غَرِيبَةٌ) اطَّلَعْت عَلَى مُؤَلَّفَيْنِ عَظِيمَيْنِ كَبِيرَيْ الْحَجْمِ جِدًّا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِدَّةُ مُجَلَّدَاتٍ ضَخْمَةٍ بِالْخُطُوطِ الْقَدِيمَةِ ظَفِرْت بِهِمَا حِينَ اطِّلَاعِي عَلَى الْخِزَانَةِ الْمُؤَيِّدِيَّةِ، وَهُمَا لِلْعَلَّامَةِ الْمُجْتَهِدِ حَافِظِ الْأَنْدَلُسِ أَحَدُهُمَا يُسَمَّى بِالْأَحْكَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَزْمٍ الظَّاهِرِيِّ فِي أُصُولِ الْأَحْكَامِ وَالثَّانِي بِالْمُحَلَّى فِي الْفُرُوعِ وَوَجَدْت فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مُخَالَفَاتٍ كَثِيرَةً لِمَا عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ.

وَقَدْ أَطَالَ الْقَوْلَ عِنْدَ مَوْضِعِ الْمُخَالَفَةِ لِغَيْرِهِ بِمَا لَا يَلِيقُ بِشَأْنِهِ وَلَا بِشَأْنِ الْأَرْبَعَةِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَغَالِبُ مَا يُعَوِّلُ عَلَيْهِ فِي الِاسْتِدْلَالِ وَالِاسْتِنْبَاطِ الْأَخْذُ بِظَوَاهِر الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَعَ الْبَيَانِ الْفَصِيحِ الَّذِي لَا يُسْتَنْكَرُ مِثْلُهُ عَنْ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ، فَإِنَّهُمْ السَّابِقُونَ فِي مَيْدَانِ الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ مَنْ نَظَرَ فِي كَلَامِهِمْ، فَمَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ مِمَّا لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَسْأَلَتِنَا هَذِهِ مَا لَخَّصْته مِنْ كَلَامٍ طَوِيلٍ ذَكَرَهُ وَهُوَ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُرْتَبِطَ بِوَقْتٍ لَا فُسْحَةَ فِيهِ غَيْرُ جَائِزٍ تَعْجِيلُ أَدَائِهِ قَبْلَ وَقْتِهِ وَلَا تَأْخِيرُهُ عَنْهُ كَصِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَإِنْ جَاءَ نَصٌّ بِالتَّعْوِيضِ عَنْهُ وَأَدَائِهِ فِي وَقْتٍ آخَرَ وُقِفَ عِنْدَهُ وَكَانَ ذَلِكَ عَمَلًا آخَرَ مَأْمُورًا بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَدَّى شَيْءٌ مِنْهُ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ.

وَكَذَلِكَ كُلُّ عَمَلٍ مُرْتَبِطٍ بِوَقْتٍ مَحْدُودِ الطَّرَفَيْنِ كَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَمَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى فَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهِ وَلَا بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهِ وَمَنْ شَبَّهَ ذَلِكَ بِدُيُونِ الْآدَمِيِّينَ لَزِمَهُ أَنْ يُجِيزَ صِيَامَ رَمَضَانَ فِي شَعْبَانَ وَتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا، ثُمَّ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْوَقْتَ مِيزَانٌ لِلْعَمَلِ وَأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>