(وَأَنَّهُ) أَيْ الْإِجْمَاعَ بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَطْعِيٌّ (لَا يُعَارِضُهُ دَلِيلٌ) لَا قَطْعِيٌّ وَلَا ظَنِّيٌّ (إذْ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ قَاطِعَيْنِ) لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ (وَلَا) بَيْنَ (قَاطِعٍ وَمَظْنُونٍ) لِإِلْغَاءِ الْمَظْنُونِ فِي مُقَابَلَةِ الْقَاطِعِ (وَأَنَّ مُوَافَقَتَهُ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (خَبَرًا لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَنْهُ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عَنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يُنْقَلْ لَنَا اسْتِغْنَاءٌ بِنَقْلِ الْإِجْمَاعِ عَنْهُ (بَلْ ذَلِكَ) أَيْ كَوْنُهُ عَنْهُ هُوَ (الظَّاهِرُ إنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ) بِمَعْنَاهُ إذْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُسْتَنَدٍ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ وُجِدَ فَلَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْإِجْمَاعُ عَنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَبَلْ هُنَا انْتِقَالِيَّةٌ لَا إبْطَالِيَّةٌ وَعَطَفَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى مَا قَبْلَهُمَا، وَإِنْ لَمْ تَنْبَنِيَا عَلَى حُرْمَةِ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ تَسَمُّحًا وَلَوْ تَرَكَ مِنْهُمَا أَنَّهُ وَإِنْ سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ مَعَ الِاخْتِصَارِ.
(خَاتِمَةٌ: جَاحِدُ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ الْمَعْلُومِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ) وَهُوَ مَا يُعْرَفُ مِنْهُ الْخَوَاصُّ وَالْعَوَامُّ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ لِلتَّشْكِيكِ فَالْتَحَقَ بِالضَّرُورِيَّاتِ كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَحُرْمَةِ الزِّنَا وَالْخَمْرِ (كَافِرٌ قَطْعًا) ؛ لِأَنَّ جَحْدَهُ يَسْتَلْزِمُ تَكْذِيبَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ وَمَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ مِنْ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا لَيْسَ بِمُرَادٍ لَهُمَا
ــ
[حاشية العطار]
ضِدِّهِ سَابِقًا أَيْ إذَا كَانَ قَطْعِيًّا (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ أَيْ الْإِجْمَاعُ إلَخْ) هَذَا أَعَمُّ مِمَّا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَمِلُ الْإِجْمَاعَ وَغَيْرَهُ (قَوْلُهُ: إنَّهُ قَطْعِيٌّ) هَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إذْ لَا تَعَارُضَ إلَخْ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الظَّنِّيِّ كَالسُّكُوتِيِّ فَيُعَارِضُهُ الدَّلِيلُ كَسَائِرِ الظَّنِّيَّاتِ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ تَقْيِيدُ قَوْلِهِ لَا إجْمَاعَ يُضَادُّ إجْمَاعًا لَهُ سَابِقًا بِكَوْنِ السَّابِقِ قَطْعِيًّا وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا أَعَمُّ مِنْ ذَاكَ فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ (قَوْلُهُ: إذْ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ قَاطِعَيْنِ) وَإِلَّا لَزِمَ حَقِيقَةُ النَّقِيضَيْنِ (قَوْلُهُ: لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ) لِأَنَّ الْقَاطِعَ يَجِبُ تَحَقُّقُ مَدْلُولِهِ فَيَلْزَمُ مِنْ تَعَارُضِهِمَا اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ وَهُوَ مُحَالٌ وَهَذَا مُسَلَّمٌ إنْ كَانَا فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا إنْ كَانَا فِي زَمَانَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا إذْ الْأَحْكَامُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَعْصَارِ
(قَوْلُهُ: وَإِنَّ مُوَافَقَتَهُ إلَخْ) كَمَا إذَا أَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ النِّيَّةِ فِي الصَّلَاةِ مَثَلًا فَقَدْ وَافَقَ إجْمَاعُهُمْ خَبَرَ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» فَهَذِهِ الْمُوَافَقَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ مُسْتَنِدُونَ الْخَبَرَ الْمَذْكُورَ، ثُمَّ إنَّهُ قَدْ مَرَّ أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى مُوَافَقَةِ خَبَرٍ لَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ وَالْفَرْضَانِ مُخْتَلِفَانِ، وَإِنْ تَلَازَمَا (قَوْلُهُ: اسْتِغْنَاءً بِنَقْلِ إلَخْ) أَيْ اسْتِغْنَاءً عَنْ نَقْلِ ذَلِكَ الْغَيْرِ بِنَقْلِ الْإِجْمَاعِ فَإِنْ وُجِدَ فَلَا أَيْ فَلَا يَكُونُ الظَّاهِرُ كَوْنَ الْإِجْمَاعِ عَنْ ذَلِكَ الْخَبَرِ (قَوْلُهُ: لَا إبْطَالِيَّةٌ) لِأَنَّ نَفْيَ الدَّلَالَةِ الْقَطْعِيَّةِ لَا يَنْفِي وُجُودَ الظَّاهِرَةِ.
[خَاتِمَةٌ جَاحِدُ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ الْمَعْلُومِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ]
(فَائِدَةٌ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ فَشَا فِي لِسَانِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ خَارِقَ الْإِجْمَاعِ يَكْفُرُ وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا فَإِنَّ مَنْ يُنْكِرُ أَصْلَ الْإِجْمَاعِ لَا يَكْفُرُ وَالْقَوْلُ فِي التَّكْفِيرِ وَالتَّبَرِّي لَيْسَ بِالْهَيِّنِ (قَوْلُهُ: بِالضَّرُورَةِ) بِاعْتِبَارِ مَا طَرَأَ لَهُ بَعْدُ مِنْ الشُّهْرَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ نَظَرِيًّا كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: فَالْتَحَقَ بِالضَّرُورِيَّاتِ) أَيْ فِي إطْلَاقِ الْعِلْمِ بِالضَّرُورَةِ عَلَيْهِ بِجَامِعِ عَدَمِ قَبُولِ التَّشْكِيكِ فِيهِمَا وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الضَّرُورَةَ فِي قَوْلِهِمْ الْمَعْلُومِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ لَيْسَ مَعْنَاهَا اسْتِقْلَالَ الْعَقْلِ بِالْإِدْرَاكِ بِلَا دَلِيلٍ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الشَّرْعِ عِنْدَ الْأَشْعَرِيَّةِ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِدَلِيلٍ سَمْعِيٍّ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ: كَافِرٌ قَطْعًا) فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ مِنْ مَسْأَلَتَيْ الْمَشْهُورِ مُخَالَفَةٌ لِقَوْلِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الرِّدَّةِ مَنْ جَحَدَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ يُعْلَمُ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ ضَرُورَةً كَفَرَ إنْ كَانَ فِيهِ نَصٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ جَحْدَهُ يَسْتَلْزِمُ إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ مَوْجُودٌ فِي الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ الْخَفِيِّ إذَا كَانَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ
(قَوْلُهُ: وَمَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ الْآمِدِيِّ إلَخْ) أَمَّا الْآمِدِيُّ فَقَالَ اخْتَلَفُوا فِي تَكْفِيرِ جَاحِدِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ فَأَثْبَتَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَأَنْكَرَهُ الْبَاقُونَ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ إنْكَارَ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الظَّنِّيِّ غَيْرُ مُوجَبٍ هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ، وَإِنَّمَا هُوَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي مَفْهُومِ اسْمِ الْإِسْلَامِ كَالْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ وَوُجُوبِ اعْتِقَادِ التَّوْحِيدِ وَالرِّسَالَةِ فَيَكُونُ جَاحِدُهُ كَافِرًا اهـ. مُلَخَّصًا.
وَأَمَّا ابْنُ الْحَاجِبِ فَقَالَ إنْكَارُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ ثَالِثُهَا الْمُخْتَارُ أَنَّ نَحْوَ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ يَكْفُرُ فَقَدْ تَضَمَّنَ كَلَامُ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا تَرَى حِكَايَةَ خِلَافٍ فِي تَكْفِيرِ جَاحِدِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ الْمَعْلُومِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَهَذَا غَيْرُ مُرَادٍ لَهُمَا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ فَإِنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ، وَقَدْ أَوَّلَ بَعْضُهُمْ كَلَامَهُمَا بِأَنَّ الْمُجْمَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute