للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِاجْتِهَادٍ لَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ (لَا النَّاسِخُ) أَيْ لَا قَوْلُ الرَّاوِيِّ هَذَا النَّاسِخُ لِمَا عُلِمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَلَمْ يَعْلَمْ نَاسِخُهُ فَإِنَّ لَهُ أَثَرًا فِي تَعْيِينِ النَّاسِخِ (خِلَافًا لِزَاعِمِيهَا) أَيْ زَاعِمِي الْآثَارِ لِمَا عَدَا الْأَخِيرَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ.

(الْكِتَابُ الثَّانِي فِي السُّنَّةِ) (وَهِيَ أَقْوَالُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَفْعَالُهُ) وَمِنْهَا تَقْرِيرُهُ؛ لِأَنَّهُ كَفٌّ عَنْ الْإِنْكَارِ وَالْكَفُّ فِعْلٌ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ مَبَاحِثُ الْأَقْوَالِ الَّتِي تَشْرَكُ السُّنَّةُ فِيهَا الْكِتَابَ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْي وَغَيْرِهِمَا، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَلِتَوَقُّفِ حُجِّيَّةِ السُّنَّةِ عَلَى عِصْمَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدَأَ بِهَا ذَاكِرًا جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ لِزِيَادَةِ الْفَائِدَةِ فَقَالَ (الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَعْصُومُونَ

ــ

[حاشية العطار]

قَوْلُهُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ) بِخِلَافِ قَوْلِهِ هَذَا سَابِقٌ فَإِنَّهُ لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ؛ فَلِذَلِكَ كَانَ لَهُ أَثَرٌ (قَوْلُهُ: لِمَا عُلِمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ إلَخْ) تَوْضِيحٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ صُورَتَيْ التَّنْكِيرِ وَالتَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّ صُورَةَ التَّنْكِيرِ فِيهَا إفَادَةٌ لِأَصْلِ النَّسْخِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَنْ اجْتِهَادٍ بِخِلَافِ صُورَةِ التَّعْرِيفِ، فَإِنَّ النَّسْخَ فِيهَا مَعْلُومٌ، وَلَكِنْ لَمْ يَعْلَمْ عَيْنَ النَّاسِخِ فَيَضْعُفُ احْتِمَالُ كَوْنِهِ عَنْ اجْتِهَادٍ بِخِلَافِ صُورَةِ التَّنْكِيرِ فَإِنَّ الِاحْتِمَالَ فِيهَا يَقْوَى لِمَا مَرَّ اهـ. نَجَّارِيٌّ.

(قَوْلُهُ: فَإِنَّ لَهُ أَثَرًا) لَا أَنَّهُ أَقْرَبُ لِلصَّوَابِ؛ لِأَنَّ الشَّأْنَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ بِالنَّقْلِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قِيلَ بِالِاجْتِهَادِ تَقَوَّى بِعِلْمِ النَّسْخِ، وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْعَطْفُ بِلَا فِي حَيِّزِ النَّفْي وَهُوَ شَاذٌّ وَقَدْ انْتَهَى بِحَمْدِ اللَّهِ الْكَلَامُ عَلَى الْكِتَابِ الْأَوَّلِ.

[الْكِتَابُ الثَّانِي فِي السُّنَّةِ]

أَخَّرَهُ عَنْ الْكِتَابِ الْأَوَّلِ لِتَأَخُّرِ السُّنَّةِ فِي الْوُجُودِ عَنْ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ الطَّرِيقُ وَالْعَادَةُ وَاصْطِلَاحًا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ هِيَ أَقْوَالُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَفْعَالُهُ أَيْ مَا لَمْ تَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْإِعْجَازِ كَتَكْلِيمِهِ لِلضَّبِّ، وَيَدَاهُ لَك بَحْرٌ وَغَوْصُ قَدَمِهِ فِي الْحَجَرِ، وَنَبْعُ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ (قَوْلُهُ: وَأَفْعَالُهُ) أَيْ غَيْرُ الْأَقْوَالِ بِدَلِيلِ الْمُقَابَلَةِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَفْعَالِ اللِّسَانِ عَلَى أَنَّهَا لَا يُقَالُ لَهَا فِعْلٌ عُرْفًا وَلَمْ يَذْكُرْ الصِّفَاتِ مَعَ أَنَّهَا مِنْ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي السُّنَّةِ الَّتِي هِيَ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَلَا كَذَلِكَ الصِّفَاتُ الْقَائِمَةُ بِذَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا تَقْرِيرُهُ) وَمِنْهَا إشَارَاتُهُ كَإِشَارَتِهِ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنْ يَضَعَ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِهِ عَلَى ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ وَهَمُّهُ فَإِنَّهُ مِنْ أَفْعَالِ الْقَلْبِ فَلَا يَهُمُّ إلَّا بِمَطْلُوبٍ شَرْعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَهُمُّ إلَّا بِحَقٍّ وَقَدْ بُعِثَ لِبَيَانِ الشَّرْعِيَّاتِ كَمَا هَمَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِجَعْلِ أَسْفَلِ الرِّدَاءِ أَعْلَاهُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ فَثَقُلَ عَلَيْهِ فَتَرَكَهُ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى نَدْبِ ذَلِكَ وَعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْهَمِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ.

وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ: الْهَمُّ إنَّمَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فَالِاسْتِدْلَالُ بِمَا دَلَّ مِنْهُمَا فَلَا حَاجَةَ لِزِيَادَةِ ابْنِ قَاسِمٍ بِأَنَّهُ قَدْ يَطَّلِعُ بِغَيْرِهِمَا كَقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ، وَالِاسْتِدْلَالُ حِينَئِذٍ بِهِ عَلَى أَنَّ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهِ بِمَا ذُكِرَ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ مِنْ إفْرَادِ السُّنَّةِ وَصِحَّةِ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ فِي نَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ أَفْعَالُهَا الْقَلْبِيَّةُ كَالِاعْتِقَادَاتِ وَالْإِرَادَاتِ

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ كَفٌّ) وَلَوْ كَانَ الْمُقِرُّ غَيْرَ مُكَلَّفٍ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقِرُّ عَلَى الْخَطَأِ مُطْلَقًا، كَمَا لَا يُقِرُّ الْوَلِيُّ الطِّفْلَ عَلَى مَا لَا يَحِلُّ، وَهُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُسْلِمٍ وَأَوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ (قَوْلُهُ: الَّتِي تَشْرَكُ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَالرَّاءِ مَاضِيهِ شَرِكَ بِفَتْحِ الشِّينِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مِنْ بَابِ عَلِمَ (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُمَا) كَالْعَامِّ وَالْخَاصِّ وَالْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ (قَوْلُهُ: الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَعْصُومُونَ) أَيْ مَحْفُوظُونَ عَنْ أَنْ يَصْدُرَ مِنْهُمْ ذَنْبٌ فَقَوْلُهُ: لَا يَصْدُرُ مِنْهُمْ ذَنْبٌ إلَخْ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: مَعْصُومُونَ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ: إنَّ التَّوْبَةَ فِي خَبَرِ «إنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً» تَوْبَةٌ لُغَوِيَّةٌ وَهِيَ مُجَرَّدُ الرُّجُوعِ لِرُجُوعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ كَامِلٍ إلَى أَكْمَلَ بِسَبَبِ تَزَايُدِ فَوَاضِلِهِ وَفَضَائِلِهِ وَاطِّلَاعِهِ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ قَبْلُ، وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا زَالَ يَتَرَقَّى فِي الْفَوَاضِلِ وَالْفَضَائِلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>