للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(مِمَّا قَدْ يُفَوِّتُ الْمَطْلُوبَ) نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: ٩] فَالْمَنْعُ مِنْ الْبَيْعِ وَقْتَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ الَّذِي قَدْ يُفَوِّتُهَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لِمَظِنَّةِ تَفْوِيتِهَا لَكَانَ بَعِيدًا.

وَهَذِهِ أَمْثِلَةٌ لِمَا اُتُّفِقَ عَلَى أَنَّهُ إيمَاءٌ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ وَالْحُكْمُ مَلْفُوظَيْنِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِهَا تَقْدِيرٌ وَعَكْسُ هَذَا الْقِسْمُ لَيْسَ بِإِيمَاءٍ قَطْعًا، وَفِي الْوَصْفِ الْمَلْفُوظِ وَالْحُكْمِ الْمُسْتَنْبَطِ وَعَكْسِهِ، وَفِي أَكْثَرِ الْعِلَلِ خِلَافٌ مُخْتَلِفُ التَّرْجِيحِ كَمَا أَفَادَتْهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ قِيلَ: إنَّهَا إيمَاءٌ تَنْزِيلًا لِلْمُسْتَنْبَطِ مَنْزِلَةَ الْمَلْفُوظِ فَيُقَدَّمَانِ عِنْدَ التَّعَارُضِ عَلَى الْمُسْتَنْبَطِ بِلَا إيمَاءٍ، وَقِيلَ لَيْسَا إيمَاءً وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَوَّلَ إيمَاءٌ لِاسْتِلْزَامِ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ

ــ

[حاشية العطار]

أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْوَصْفُ مُنَاسِبًا أَوْ لَا وَهُوَ مُخْتَارُ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيِّ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ: أَكْرِمْ الْجَاهِلَ وَأَهِنْ الْعَالِمَ نُسِبَ إلَى الْقُبْحِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ بِإِكْرَامِ الْجَاهِلِ وَإِهَانَةِ الْعَالِمِ فَإِنَّهُ قَدْ يَحْسُنُ لِشَرَفِ الْجَاهِلِ بِنَسَبٍ أَوْ شَجَاعَةٍ مَثَلًا وَلِفِسْقِ الْعَالِمِ وَخُبْثِهِ وَدَنَاءَةِ نَفْسِهِ وَحَسَبِهِ فَالِاسْتِقْبَاحُ لِسَبْقِ التَّعْلِيلِ إلَى الْفَهْمِ مِنْ جَعْلِ الْجَهْلِ عِلَّةً لِلْإِكْرَامِ وَالْعِلْمِ عِلَّةً لِلْإِهَانَةِ فَمُطْلَقُ التَّرْتِيبِ مُفِيدٌ لِعِلِّيَّةِ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ دَلَالَتُهُ عَلَى التَّعْلِيلِ هُنَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ دَلَالَتُهَا عَلَيْهِ فِي الْكُلِّ إذْ الْمِثَالُ الْجُزْئِيُّ لَا يُصَحِّحُ الْقَاعِدَةَ الْكُلِّيَّةَ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا دَلَّ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَجِبُ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهَا فِي الْجَمِيعِ دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ دَالًّا عَلَى غَيْرِ الْعِلِّيَّةِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لَاشْتَرَكَ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ وَرَدَّهُ الْخَنْجِيُّ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ الِاشْتِرَاكُ لَوْ دَلَّ التَّرْكِيبُ عَلَى عَدَمِ الْعِلِّيَّةِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الدَّلَالَةِ الدَّلَالَةُ عَلَى الْعَدَمِ اهـ.

وَقِيلَ إنَّمَا يُفِيدُ التَّرْتِيبَ إذَا كَانَ الْوَصْفُ مُنَاسِبًا (قَوْلُهُ: بِمَا قَدْ يَفُوتُ) أَيْ فِعْلٌ يَفُوتُ قَوْلُهُ {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: ٩] مِثَالٌ لِلْمَطْلُوبِ (قَوْلُهُ: لِمَظِنَّةِ تَفْوِيتِهَا) أَيْ لِأَجْلِ كَوْنِ التَّشَاغُلِ بِالْبَيْعِ عَنْ السَّعْيِ مَظِنَّةً لِتَفْوِيتِ الْجُمُعَةِ الْمُعَبَّرِ عَنْهَا فِي الْآيَةِ بِذِكْرِ اللَّهِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: مَلْفُوظَيْنِ) أَيْ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِمَا لَا مُسْتَنْبَطَيْنِ وَالْمُقَدَّرُ مِنْ قَبِيلِ الْمَلْفُوظِ (قَوْلُهُ:، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِهَا تَقْدِيرٌ) أَيْ كَمِثَالِ الْغَايَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: ٢٢٢] فَإِنَّ الْوَصْفَ وَالْحُكْمَ فِيهِ مُقَدَّرَانِ مِثَالُ الِاسْتِثْنَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: ٢٣٧] فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ مُقَدَّرٌ قَالَ الْمُحَقِّقُ الْعَضُدُ: إذَا ذُكِرَ كُلٌّ مِنْ الْوَصْفِ وَالْحُكْمِ فَإِنَّهُ إيمَاءٌ اتِّفَاقًا فَإِنْ ذُكِرَ الْوَصْفُ وَاسْتُنْبِطَ الْحُكْمُ مِثْلُ أَنْ يَذْكُرَ حِلَّ الْبَيْعِ وَتُسْتَنْبَطَ مِنْهُ الصِّحَّةُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] أَوْ بِالْعَكْسِ مِثْلُ أَنْ يَذْكُرَ حُرْمَةَ الْخَمْرِ وَيَسْتَنْبِطَ الْإِسْكَارَ فِي مِثْلِ حُرْمَةِ الْخَمْرَةِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ هَلْ يَكُونُ إيمَاءً حَتَّى يُقَدَّمَ عَلَى الْمُسْتَنْبَطَةِ بِلَا إيمَاءٍ عِنْدَ التَّعَارُضِ فَعِنْدَ الْبَعْضِ كِلَاهُمَا إيمَاءٌ، وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُمَا بِإِيمَاءٍ وَعِنْدَ آخَرِينَ الْأَوَّلُ إيمَاءٌ دُونَ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْإِيمَاءَ اقْتِرَانُ الْحُكْمِ وَالْوَصْفِ، وَإِنْ قُدِّرَ أَحَدُهُمَا وَالثَّانِي - عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ذِكْرِهِمَا لِيَتَحَقَّقَ الِاقْتِرَانُ.

وَالثَّالِثُ - عَلَى أَنَّ إثْبَاتَ مُسْتَلْزَمِ الشَّيْءِ يَقْتَضِي إثْبَاتَهُ وَالْعِلَّةُ كَالْحِلِّ تَسْتَلْزِمُ الْمَعْلُولَ كَالصِّحَّةِ فَيَتَحَقَّقُ الِاقْتِرَانُ تَقْدِيرًا أَوْ اللَّازِمُ حَيْثُ لَيْسَ إثْبَاتُهُ إثْبَاتًا لِلْمَلْزُومِ وَلَا يَقْتَضِي إثْبَاتُهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الِاقْتِرَانُ (قَوْلُهُ: لَيْسَ بِإِيمَاءٍ قَطْعًا) أَيْ خِلَافًا لِمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ بِمَا إذَا كَانَ الْحُكْمُ مُسْتَنْبَطًا وَالْوَصْفُ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ:، وَفِي الْوَصْفِ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَخِلَافُ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَعَكْسِهِ بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الْوَصْفِ وَالْعَكْسُ هُوَ الْوَصْفُ الْمُسْتَنْبَطُ وَالْحُكْمُ الْمَلْفُوظُ وَقَوْلُهُ وَفِيهِ أَيْ فِي عَكْسِهِ خَبَرُ قَوْلِهِ أَكْثَرُ الْعِلَلِ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْحُكْمَ كَثِيرًا مَا يُذْكَرُ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ وَالْعِلَلُ تَسْتَنْبِطُهَا الْأَئِمَّةُ (قَوْلُهُ: مُخْتَلِفُ التَّرْجِيحِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُرَجَّحَ فِي اقْتِرَانِ الْوَصْفِ الْمَلْفُوظِ بِالْحُكْمِ الْمُسْتَنْبَطِ خِلَافُ الْمُرَجَّحِ فِي عَكْسِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا أَفَادَتْهُ) أَيْ أَفَادَتْ اخْتِلَافَ التَّرْجِيحِ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ أَتَى فِي جَانِبِ الْوَصْفِ الْمُسْتَنْبَطِ بِقِيلِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّضْعِيفِ، وَفِي الْحُكْمِ الْمُسْتَنْبَطِ بِلَوْ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحّ إلَخْ) بَيَانٌ لِاخْتِلَافِ التَّرْجِيحِ (قَوْلُهُ: لِاسْتِلْزَامِ الْوَصْفِ إلَخْ) أَيْ فَكَأَنَّهُمَا مَنْصُوصَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>