للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُتَرَادِفَانِ) أَيْ اسْمَانِ لِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ كَمَا عُلِمَ مِنْ حَدِّ الْإِيجَابِ الْفِعْلُ الْمَطْلُوبُ طَلَبًا جَازِمًا (خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ) فِي نَفْيِهِ تَرَادُفَهُمَا حَيْثُ قَالَ هَذَا الْفِعْلُ إنْ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ كَالْقُرْآنِ فَهُوَ الْفَرْضُ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ الثَّابِتَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: ٢٠] وَبِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ فَهُوَ الْوَاجِبُ كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ الثَّابِتَةِ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهَا وَلَا تَفْسُدُ بِهِ الصَّلَاةُ بِخِلَافِ تَرْكِ الْقِرَاءَةِ (وَهُوَ) أَيْ الْخِلَافُ (لَفْظِيٌّ) أَيْ عَائِدٌ إلَى اللَّفْظِ وَالتَّسْمِيَةِ إذْ حَاصِلُهُ أَنَّ مَا ثَبَتَ بِقَطْعِيٍّ كَمَا يُسَمَّى فَرْضًا هَلْ يُسَمَّى وَاجِبًا وَمَا ثَبَتَ بِظَنِّيِّ كَمَا يُسَمَّى وَاجِبًا هَلْ يُسَمَّى فَرْضًا

ــ

[حاشية العطار]

مِنْ جَعْلِ الْإِيجَابِ مِنْ أَقْسَامِ الْحُكْمِ الَّذِي إذَا أُضِيفَ إلَى مَا فِيهِ الْحُكْمُ سُمِّيَ وَاجِبًا وَوُجُوبًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلَوْ أَوَّلًا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا فَلَا يُقَالُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ الْوَاجِبَ.

(قَوْلُهُ: مُتَرَادِفَانِ) أَيْ اصْطِلَاحًا لَا لُغَةً وَلَعَلَّ الْحُكْمَ بِالتَّرَادُفِ بِحَسَبِ الِاصْطِلَاحِ تَسَمُّحٌ لِمَا ذَكَرْنَا سَابِقًا الْأَحْكَامَ اللَّفْظِيَّةَ مُتَفَرِّعَةً عَلَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَهُمَا بِحَسَبِهِ لَيْسَا مُتَرَادِفَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّارِحِ وَمُتَرَادِفٌ بِمَعْنَى مُرَادِفٍ أَيْ مُرَادِفٌ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ فَلَا يَرِدُ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ شَرْطَ التَّثْنِيَةِ صَلَاحِيَةُ الْمَعْنَى لِلتَّجْرِيدِ وَهُوَ هُنَا لَا يَصْلُحُ لَهُ لِأَنَّ التَّرَادُفَ تَفَاعُلٌ لَا يَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ وَلَك أَنْ تَقُولَ أَيْضًا يَصِحُّ إطْلَاقُ مُتَرَادِفٍ عَلَى الْوَاحِدِ بِقَيْدِ مَعَ فَيُقَالُ مُتَرَادِفٌ مَعَ الْآخَرِ.

(قَوْلُهُ: لِمَعْنًى وَاحِدٍ) أَيْ مَفْهُومٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ التَّرَادُفَ يُعْتَبَرُ فِيهِ اتِّحَادُ الْمَفْهُومِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَعَانِي الْكُلِّيَّةِ وَهِيَ مَفَاهِيمُ كَمَا قَرَّرْنَاهُ لَك.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْوَاحِدُ وَقَوْلُهُ كَمَا عُلِمَ إلَخْ الْمُرَادُ بِعِلْمِهِ مِنْ حَدِّ الْإِيجَابِ عِلْمُ ذَاتِهِ لَا بِوَصْفِ كَوْنِهِ وَاحِدًا سُمِّيَ بِلَفْظَيْنِ لِأَنَّ الْمَعْلُومَ مِمَّا سَبَقَ ذَاتُهُ لَا بِهَذَا الْوَصْفِ وَقَدْ يُسْتَشْكَلُ هَذَا التَّشْبِيهُ بِأَنَّ الْمَعْنَى الْمَعْلُومَ هُنَا هُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ حَدِّ الْإِيجَابِ لَا شَيْءٌ آخَرُ يُشْبِهُ الْمَعْلُومَ مِنْهُ وَالتَّشْبِيهُ لَا يَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ وَيُجَابُ بِتَغَايُرِهِمَا اعْتِبَارًا فَالْمَعْنَى الْمَذْكُورُ مُشَبَّهٌ بِاعْتِبَارِ ذِكْرِهِ هُنَا مُشَبَّهٌ بِهِ بِاعْتِبَارِ عِلْمِهِ مِنْ حَدِّ الْإِيجَابِ وَفِيهِ تَكَلُّفٌ فَالْأَحْسَنُ أَنْ تُجْعَلَ الْكَافُ بِمَعْنَى عَلَى وَمَا مَصْدَرِيَّةً أَيْ بِنَاءً عَلَى عِلْمِهِ مِنْ حَدِّ الْإِيجَابِ.

(قَوْلُهُ: حَيْثُ قَالَ) ظَرْفٌ لِنَفْيِهِ وَالْحَيْثِيَّةُ تَعْلِيلِيَّةٌ فَهُوَ لَمْ يُصَرِّحْ بِنَفْيِ التَّرَادُفِ بَيْنَهُمَا بَلْ لَزِمَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ (قَوْلُهُ: هَذَا الْفِعْلُ) أَيْ الْفِعْلُ الْمَطْلُوبُ طَلَبًا جَازِمًا.

(قَوْلُهُ: إنْ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ إلَخْ) هَذَا الِاصْطِلَاحُ وَإِنْ اُشْتُهِرَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَكِنْ يَكْثُرُ فِي اسْتِعْمَالِهِمْ مَا يُخَالِفُهُ وَهُوَ إطْلَاقُ الْفَرْضِ عَلَى مَا ثَبَتَ بِظَنِّيٍّ وَالْوَاجِبِ عَلَى مَا ثَبَتَ بِقَطْعِيٍّ كَقَوْلِهِمْ الْوِتْرُ فَرْضٌ وَتَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ فَرْضٌ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَيُسَمُّونَهُ فَرْضًا عَمَلِيًّا لَا عِلْمِيًّا يَلْزَمُ اعْتِقَادُهُ حَقِيقَةً وَكَقَوْلِهِمْ الصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ قَالَهُ الْكَمَالُ.

(قَوْلُهُ: فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهَا إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِمْ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ وَلَيْسَ مُفَرَّعًا عَلَى التَّسْمِيَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ فَهُوَ الْوَاجِبُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي حِينَئِذٍ أَنَّ لِلتَّسْمِيَةِ مَدْخَلًا فِي عَدَمِ الْفَسَادِ فَلَا يَكُونُ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ تَرْكَ الْفَاتِحَةِ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: كَمَا يُسَمَّى إلَخْ) الْعَامِلُ فِي الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ وَمَا بَعْدَ هَلْ وَلَا يُقَالُ عَلَيْهِ إنَّ أَدَوَاتِ الِاسْتِفْهَامِ لَا يَعْمَلُ مَا بَعْدَهَا فِيمَا قَبْلَهَا لِأَنَّ هَلْ ضَعِيفَةٌ فِي الِاسْتِفْهَامِ لِتَطَفُّلِهَا فِيهِ فَلَيْسَتْ كَالْهَمْزَةِ الْعَرِيقَةِ فِيهِ وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ الدَّنَوْشَرِيُّ فَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>