للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَتُسَمَّى تَخْيِيلًا

ــ

[حاشية العطار]

لَازِمٌ لِعِبَارَةِ الْقَاضِي فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: فَيُسَمَّى تَخْيِيلًا) فِي الْآيَاتِ نَقْلًا عَنْ النَّاصِرِ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنْ أُرِيدَ بِالْمَعْقُولَاتِ مَا يُدْرِكُهُ الْعَقْلُ ابْتِدَاءً بِلَا وَاسِطَةٍ خَرَجَ عَنْهَا الْوَهْمِيَّاتُ وَالْخَيَالِيَّاتُ فَتَخْرُجُ عَنْ حَدِّ النَّظَرِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا مَا يُدْرِكُهُ الْعَقْلُ بِذَاتِهِ أَوْ بِوَاسِطَةٍ فَيَشْمَلُ الْوَهْمِيَّاتِ وَالْخَيَالِيَّاتِ فَقَوْلُهُ بِخِلَافِ حَرَكَتِهَا فِي الْمَحْسُوسَاتِ فَيُسَمَّى تَخْيِيلًا لَا فِكْرًا مُشْكِلٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّارِحَ وَغَيْرَهُ مِمَّنْ عَبَّرَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ ذَاهِبٌ مَعَ الْأَقْدَمِينَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْعَقْلَ لَا يُدْرِكُ الْمَحْسُوسَاتِ أَصْلًا وَإِنَّمَا تُدْرِكُهَا الْحَوَاسُّ، وَأَمَّا عَلَى طَرِيقِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْعَقْلَ يُدْرِكُ الْمَحْسُوسَاتِ أَيْضًا لَكِنْ بِوَاسِطَةِ الْحَوَاسِّ فَيَنْبَغِي أَنْ تُسَمَّى حَرَكَتُهَا فِي الْمَحْسُوسَاتِ فِكْرًا أَيْضًا اهـ.

أَقُولُ: نَخْتَارُ الْأَوَّلَ وَلَا إشْكَالَ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِحَرَكَةِ النَّفْسِ فِي الْمَحْسُوسَاتِ مُطَالَعَتُهَا إيَّاهَا وَمُشَاهَدَتُهَا مِنْ قُوَاهَا الْبَاطِنَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّرْتِيبِ كَمَا هُوَ فِي الْمَعْقُولَاتِ؛ لِأَنَّ الْجُزْئِيَّاتِ لَا يَقَعُ فِيهَا إيصَالٌ وَلَا تَرْتِيبٌ فَإِنَّ تَحْصِيلَ الْمَطَالِبِ إنَّمَا هُوَ بِالْكُلِّيَّاتِ قَالَ السَّيِّدُ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ إنَّ الْجُزْئِيَّاتِ إنَّمَا تُدْرَكُ بِالْإِحْسَاسَاتِ إمَّا بِالْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ أَوْ الْبَاطِنَةِ وَلَيْسَ الْإِحْسَاسُ مِمَّا يُؤَدِّي بِالنَّظَرِ إلَى إحْسَاسٍ آخَرَ بِأَنْ يُحَسَّ بِمَحْسُوسَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَتُرَتَّبُ عَلَى وَجْهٍ يُؤَدِّي إلَى الْإِحْسَاسِ بِمَحْسُوسٍ آخَرَ بَلْ لَا بُدَّ لِذَلِكَ الْمَحْسُوسِ الْآخَرِ مِنْ إحْسَاسٍ ابْتِدَاءً وَذَلِكَ ظَاهِرٌ لِمَنْ يُرَاجِعُ وُجْدَانَهُ وَكَذَلِكَ لَيْسَ تَرْتِيبُ الْمَحْسُوسَاتِ مُؤَدِّيًا إلَى إدْرَاكٍ كُلِّيٍّ وَذَلِكَ أَظْهَرُ فَالْجُزْئِيَّاتُ مِمَّا لَا يَقَعُ فِيهِ نَظَرٌ وَفِكْرٌ أَصْلًا وَلَا هِيَ مِمَّا يَحْصُلُ بِنَظَرٍ وَفِكْرٍ فَلَيْسَتْ كَاسِبَةً وَلَا مُكْتَسَبَةً اهـ.

وَعَلَّلَهُ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِيهِ بِأَنَّ الْأُمُورَ الْعَقْلِيَّةَ لِكَوْنِهَا مُنْتَزَعَةً مِنْ أَمْرٍ وَاحِدٍ حُذِفَ مِنْهُ الْمُشَخَّصَاتُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صُورَةُ بَعْضٍ مِنْهَا مِرْآةً لِمُشَاهَدَةِ بَعْضٍ آخَرَ لِتَصَادُقٍ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْأُمُورِ الْمَحْسُوسَةِ فَإِنَّهَا مُتَبَايِنَةٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الصُّورَةُ الْجُزْئِيَّةُ لِوَاحِدٍ مِنْهَا مِرْآةً لِمُشَاهَدَةِ مَحْسُوسٍ آخَرَ بَلْ تَحْتَاجُ إلَى إحْسَاسٍ آخَرَ نَعَمْ إحْسَاسُ الْمَحْسُوسِ مُوجِبٌ لِلتَّخَيُّلِ وَالتَّوَهُّمِ أَيْ بِحُصُولِ صُورَةٍ فِي خَيَالٍ وَحُصُولِ صُورَةٍ جُزْئِيَّةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِذَلِكَ وَالْمَحْسُوسُ فِي الْوَهْمِ وَلَيْسَ هَذَا تَحْصِيلًا بِالنَّظَرِ بَلْ إيجَابُ إحْسَاسٍ لِإِحْسَاسٍ آخَرَ اهـ.

وَمِنْ هَاهُنَا قَالَ شَارِحُ سُلَّمِ الْعُلُومِ الْمَوْلَى عَلِيٌّ الْهِنْدِيُّ إنَّ الْمَحْسُوسَاتِ هَلْ تَقَعُ مُقَدِّمَاتٍ بُرْهَانِيَّةً أَوْ لَا قَالُوا لَا تَقَعُ؛ لِأَنَّهَا عُلُومٌ جُزْئِيَّةٌ زَائِلَةٌ بِزَوَالِ الْحِسِّ فَلَا تُفِيدُ تَصْدِيقًا جَازِمًا ثَابِتًا نَعَمْ لِلْعَقْلِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا كُلِّيًّا مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمَحْسُوسَاتِ الْمَحْسُوسَةِ بِالْحِسِّ وَيْحَكُمْ عَلَيْهِ حُكْمًا كَحُكْمِ الْحِسِّ عَلَى الْجُزْئِيَّاتِ الْمَحْسُوسَةِ بِتَجْرِبَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَهَذَا الْحُكْمُ يَقَعُ مُقَدِّمَةً فِي الْبُرْهَانِ وَلِلْحِسِّ دَخْلٌ مَا اهـ.

فَظَهَرَ لَك مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَمْرَانِ:

الْأَوَّلُ: مَعْنَى التَّخْيِيلِ وَالتَّوَهُّمِ الثَّانِي أَنَّ الْإِحْسَاسَاتِ لَا تُعَدُّ حَرَكَةُ النَّفْسِ فِيهَا فِكْرًا، وَأَمَّا جَوَابُهُ بِقَوْلِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّارِحَ إلَخْ فَلَا يُوَافِقُ كَلَامَ الْقَوْمِ كَيْفَ وَالنَّفْسُ حَاكِمَةٌ لَا بُدَّ أَنْ تُدْرِكَ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ وَأَنَّ الْكُلِّيَّاتِ الْمُدْرِكَةَ لَهَا مُنْتَزَعَةٌ مِنْ جُزْئِيَّاتِهَا فَلَا بُدَّ أَنْ تُلَاحِظَ تِلْكَ الْجُزْئِيَّاتِ أَوَّلًا حَتَّى لَا تَنْتَزِعَ مِنْهَا الْكُلِّيَّاتِ أَيْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا بَيَّنَّاهُ فِي حَوَاشِي الْمَقُولَاتِ الْكُبْرَى فَالْقَوْلُ بِأَنَّهَا لَا تُدْرِكُ الْجُزْئِيَّاتِ أَصْلًا غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَاَلَّذِي فِي كُتُبِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الْأَعَاجِمِ هَلْ تُدْرِكُ النَّفْسُ الْمَحْسُوسَاتِ وَالْمَعْقُولَاتِ بِمَعْنَى أَنَّهَا تُرْسَمُ فِيهَا وَهُوَ قَوْلٌ وَاهٍ أَوْ الْكُلِّيَّاتُ تُرْسَمُ فِيهَا وَالْمَحْسُوسَاتُ فِي قُوَاهَا وَهُوَ الْقَوِيُّ عِنْدَهُمْ لَا أَنَّهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>