للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ التَّحْقِيقُ وَالْإِيقَاعُ وَالِانْتِزَاعُ وَنَحْوُهُمَا كَالْإِيجَابِ وَالسَّلْبِ عِبَارَاتٌ، ثُمَّ كَثِيرًا مَا يُطْلَقُ التَّصْدِيقُ عَلَى الْحُكْمِ وَحْدَهُ

ــ

[حاشية العطار]

الصَّادِرَةِ عَنْهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ التَّفْسِيرُ بِذَلِكَ صَالِحٌ لِمَا ذَكَرَ " وَلِأَنَّهُ الْإِدْرَاكُ " وَلِذَلِكَ تَرَى كَثِيرًا مِمَّنْ ذَهَبَ إلَى إدْرَاكٍ عَرَّفَهُ بِمَا سَبَقَ وَأَشَارَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ عِبَارَاتٌ اهـ.

وَأَقُولُ: تَفْسِيرُهُ هُنَا بِالْإِدْرَاكِ؛ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ نَقْلِ كَلَامِ الْحُكَمَاءِ الْقَائِلِينَ بِهَذَا الْقَوْلِ وَهَذِهِ عِبَارَتُهُمْ وَغَيْرُهُمْ عَبَّرَ عَنْ الْحُكْمِ بِالْإِيقَاعِ وَالِانْتِزَاعِ كَالْإِمَامِ وَمَنْ تَبِعَهُ فَالشَّارِحُ بِصَدَدِ نَقْلِ الْمَذَاهِبِ مُرَاعِيًا تَعْبِيرَ أَرْبَابِهَا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ تَفْسِيرُهُ الْحُكْمَ بِمَا قَالَهُ هُوَ مَا عَلَيْهِ مُتَأَخِّرُو الْمَنَاطِقَةِ فَهُوَ فِعْلُ النَّفْسِ.

وَأَمَّا مُتَقَدِّمُوهُمْ فَفَسَّرُوهُ بِمَا حَكَاهُ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ الْحُكْمُ إدْرَاكُ أَنَّ النِّسْبَةَ وَاقِعَةٌ أَوْ لَيْسَتْ بِوَاقِعَةٍ فَلَيْسَ فِعْلًا بَلْ انْفِعَالٌ اهـ.

وَجَوَابُ سم بِأَنَّ مُقَابَلَةَ الشَّارِحِ كَوْنُهُ إدْرَاكًا بِكَوْنِهِ الْإِيقَاعَ وَالِانْتِزَاعَ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْإِيقَاعِ وَالِانْتِزَاعِ كَوْنُهُمَا فِعْلَيْنِ بَلْ هُوَ الْأَلْيَقُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْحُكْمِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْجَارِي عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ فِي التَّصْدِيقِ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْحُكْمَ فِعْلٌ لَا إدْرَاكٌ اهـ.

مُخَالِفٌ لِمَا اعْتَرَفَ بِهِ قَبْلَهُ مِنْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَبِعَ صَاحِبَ الْمَطَالِعِ فِي التَّصْدِيقِ وَمَذْهَبُهُ مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: قَالَ بَعْضُهُمْ) هُوَ الْقُطْبُ الرَّازِيّ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَطَالِعِ التَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلنَّفْسِ هَاهُنَا يَعْنِي فِي مُسَمَّى التَّصْدِيقِ تَأْثِيرٌ وَفِعْلٌ بَلْ إذْعَانٌ وَقَبُولٌ لِلنِّسْبَةِ وَهُوَ إدْرَاكُ أَنَّهَا وَاقِعَةٌ أَوْ لَيْسَتْ بِوَاقِعَةٍ قَالَ وَالْحُكْمُ وَإِيقَاعُ النِّسْبَةِ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهَا عِبَارَاتٌ وَأَلْفَاظٌ أَيْ تُوهِمُ أَنَّ النَّفْسَ بَعْدَ تَصَوُّرِ النِّسْبَةِ وَطَرَفَيْهَا فِعْلٌ وَلَيْسَ مُرَادًا اهـ.

وَعَلَى هَذَا الْمُحَقِّقُونَ كَالتَّفْتازانِيِّ وَالسَّيِّدِ الْجُرْجَانِيِّ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ التَّحْقِيقُ) عَلَّلَهُ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ الشَّمْسِيَّةِ بِأَنَّا إذَا رَجَعْنَا إلَى وِجْدَانِنَا عَلِمْنَا أَنَّا بَعْدَ إدْرَاكِ النِّسْبَةِ الْحُكْمِيَّةِ الْحَمْلِيَّةِ أَوْ الِاتِّصَالِيَّةِ أَوْ الِانْفِصَالِيَّةِ لَمْ يَحْصُلْ لَنَا سِوَى إدْرَاكِ أَنَّ تِلْكَ النِّسْبَةَ وَاقِعَةٌ أَيْ مُطَابِقَةٌ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاقِعَةٍ أَيْ غَيْرَ مُطَابِقَةٍ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ اهـ.

قَالَ النَّاصِرُ كَوْنُ الْحُكْمِ هُوَ الْإِدْرَاكَ يَسْتَلْزِمُ اسْتِحَالَةَ حُكْمِ النَّفْسِ بِغَيْرِ مُدْرِكِهَا فَلَا يَكُونُ فِي الْكَذِبِ عَمْدًا حُكْمٌ فَلَا يَكُونُ قِسْمًا مِنْ الْخَبَرِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ قَالَ سم هَذَا الْكَلَامُ مِنْ الْعَجَائِبِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي الْكَذِبِ عَمْدًا حُكْمٌ بِالْمُخْبَرِ بِهِ فَبِمُجَرَّدِ هَذَا لَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ انْتِفَاءُ كَوْنِهِ قِسْمًا مِنْ الْخَبَرِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حُكْمٌ بِنَقِيضِ الْمُخْبَرِ بِهِ مَثَلًا وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ كَلَامٌ كَاذِبٌ وَهُوَ مِنْ أَقْسَامِ الْخَبَرِ.

وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ فِيهِ حُكْمٌ مُطْلَقًا فَتَفْرِيعُ هَذَا عَلَى مَا قَبْلَهُ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِحَالَةِ حُكْمِ النَّفْسِ بِغَيْرِ مُدْرِكِهَا انْتِفَاءُ الْحُكْمِ عَنْ الْكَذِبِ عَمْدًا عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ مِنْ لَازِمِ تَعَمُّدِ الْكَذِبِ فِي الْإِخْبَارِ وُجُودُ حُكْمٍ مُخَالِفٍ.

وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ تَفْرِيعَ قَوْلِهِ فَلَا يَكُونُ قِسْمًا مِنْ الْخَبَرِ عَلَى مَا قَبْلَهُ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ لَا يَتَوَقَّفُ تَحَقُّقُهُ عَلَى تَحَقُّقِ الْحُكْمِ بِدَلِيلِ كَلَامِ الشَّاكِّ فَإِنَّهُ لَا حُكْمَ مَعَهُ مَعَ أَنَّهُ خَبَرٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُطَوَّلِ.

(قَوْلُهُ: عِبَارَاتٌ) أَيْ مُعَبَّرٌ بِهَا عَنْ الْإِدْرَاكِ الْمَخْصُوصِ غَيْرُ مُرَادٍ بِهَا مَا يُعْطِيهِ ظَاهِرُهَا مِنْ كَوْنِهَا أَفْعَالًا قَالَ السَّيِّدُ تَوَهَّمُوا أَنَّ الْحُكْمَ فِعْلٌ مِنْ الْأَفْعَالِ النَّفْسِيَّةِ الصَّادِرَةِ عَنْهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَلْفَاظَ الَّتِي يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْحُكْمِ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَالْإِسْنَادِ وَالْإِيقَاعِ وَالِانْتِزَاعِ وَالْإِيجَابِ وَالسَّلْبِ وَغَيْرِهَا وَالْحَقُّ أَنَّهُ إدْرَاكٌ. اهـ.

قَالَ الْجَلَالُ الدَّوَانِيُّ هَذَا الْبَيَانُ لَا يَخْلُو عَنْ بُعْدٍ إذْ لَوْ كَانَ مَنْشَأُ وَهْمِهِمْ كَوْنَ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ بِحَسَبِ مَعَانِيهَا الِاصْطِلَاحِيَّةِ مُتَعَدِّيَةً فَالْعِلْمُ وَالتَّصَوُّرُ أَيْضًا كَذَلِكَ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَوَهَّمُوا كَوْنَهَا فِعْلًا وَمِثْلُ ذَلِكَ يَبْعُدُ عَنْ الْعُقَلَاءِ فَضْلًا عَنْ الْفُضَلَاءِ وَلَوْ كَانَ مَنْشَأُ الْوَهْمِ كَوْنَهَا بِحَسَبِ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ دَالَّةً عَلَى مَا هُوَ مِنْ مَقُولَةِ الْفِعْلِ فَلِذَلِكَ أَبْعَدُ إذْ بِنَاءُ الْأَحْكَامِ عَلَى الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ مَعَ الْإِعْرَاضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>